مقدمة
يمثل الشباب العمود الفقري لأي مجتمع يسعى للتغيير والتنمية. في السودان، حيث يُشكِّل الشباب غالبية السكان، برزت القوى السياسية الشبابية كفاعل رئيسي في الحراك السياسي والاجتماعي منذ ثورة ديسمبر عام 2019 وما بعدها. ورغم تأثيرهم الواضح على الساحة، فإن هذه القوى تعاني من تحديات كبيرة، أبرزها مشكلة انعدام الثقة بين بعضها البعض وبينها وبين الأجيال السياسية الأكبر.
دور القوى الشبابية في المشهد السياسي السوداني
لعبت القوى الشبابية دوراً محورياً في إسقاط نظام عمر البشير عام 2019 من خلال تنظيم الاحتجاجات السلمية وقيادة الحراك الشعبي. وقد برزت العديد من المنصات الشبابية، مثل لجان المقاومة، كأدوات تنظيمية فعالة استطاعت توحيد الجهود الشعبية نحو أهداف محددة، أبرزها الحرية والسلام والعدالة.
على الرغم من هذا النجاح، فإن هذه القوى لم تتمكن حتى الآن من الانتقال من مرحلة المقاومة إلى مرحلة بناء مؤسسات سياسية قوية ومستدامة قادرة على تقديم حلول شاملة للتحديات الوطنية.
مشكلة انعدام الثقة بين القوى الشبابية
تُعد مشكلة انعدام الثقة من أكبر التحديات التي تواجه القوى السياسية الشبابية في السودان. هذه المشكلة لها أبعاد متعددة، تشمل:
التنافس الشخصي والتنظيمي: تتنافس هذه الكيانات الشبابية على القيادة والظهور، مما يؤدي إلى تشتت الجهود وغياب العمل الجماعي.
الاختلافات الأيديولوجية: يعاني المشهد من انقسامات أيديولوجية عميقة بين القوى الشبابية، حيث تجد بعضها يتبنى توجهات يسارية، بينما يتبنى الآخر توجهات ليبرالية أو إسلامية.
فقدان الثقة بالمؤسسات السياسية التقليدية: ينظر الشباب إلى الأحزاب السياسية القديمة على أنها جزء من المشكلة وليست جزءاً من الحل، مما يضعف فرص التعاون بين الأجيال.
اختراق القوى الشبابية: تعرّضت بعض الكيانات الشبابية لمحاولات اختراق من قبل جهات ذات مصالح سياسية، مما زاد من الشكوك المتبادلة.
آثار انعدام الثقة
يؤدي انعدام الثقة بين القوى الشبابية إلى:
إضعاف الحراك السياسي: يجعل من الصعب توحيد الجهود لمواجهة التحديات المشتركة.
فتح المجال للقوى التقليدية: تستغل القوى السياسية التقليدية هذه الانقسامات لتعزيز وجودها واستمرارية نفوذها.
إضعاف مصداقية القوى الشبابية: تُفقد هذه المشكلة القوى الشبابية مصداقيتها أمام الشارع السوداني، مما يهدد بتراجع دورها وتأثيرها.
سبل تعزيز الثقة بين القوى الشبابية
لحل هذه الأزمة، يجب على القوى الشبابية السودانية أن تعمل على:
إنشاء منصات حوار: تشجيع النقاش المفتوح والشفاف بين المكونات المختلفة لتحديد النقاط المشتركة.
تعزيز الثقافة الديمقراطية: تعليم قيم التسامح، واحترام الاختلاف، وقبول الآخر داخل هذه الكيانات.
بناء تحالفات استراتيجية: تجاوز الانقسامات الأيديولوجية من خلال التركيز على أهداف وطنية جامعة.
تعزيز الشفافية والمساءلة: تجنب الممارسات التي قد تؤدي إلى انعدام الثقة من خلال تبني سياسات واضحة ومعلنة.
خاتمة
القوى الشبابية في السودان تمتلك إمكانات هائلة لتغيير الواقع السياسي والاجتماعي. ومع ذلك، فإن التغلب على مشكلة انعدام الثقة يُعد شرطاً أساسياً لتحويل هذه الإمكانات إلى قوة تغيير فعالة ومستدامة. إذا تمكنت هذه القوى من تجاوز انقساماتها وبناء جسور الثقة فيما بينها، فإنها ستكون قادرة على تقديم نموذج جديد للقيادة السياسية التي يحتاجها السودان للخروج من أزماته.