*أسواق دقلو: الوجه المظلم للتجارة في زمن الحرب بالسودان*

سهام صالح
صحفية سودانية

وسط الفوضى التي خلّفتها الحرب الدائرة في السودان، ظهرت “أسواق دقلو” كواحدة من أبرز الظواهر المثيرة للجدل، حيث تحولت إلى وجهة لبيع المسروقات بأسعار زهيدة. هذه الأسواق، التي يربطها الكثيرون بعمليات النهب التي طالت المنازل والمصانع والشركات، تعكس الجانب المظلم للتجارة في زمن الحرب.

تُعرف هذه الأسواق، التي انتشرت في الخرطوم ومدني وأماكن أخرى، باسمها نسبةً إلى قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، إذ يُعتقد أن بعض عناصر قواته متورطون في عمليات النهب التي غطت مناطق النزاع. ويشهد سوق دقلو في منطقة مايو جنوب الخرطوم، وسوق المسيد قرب العاصمة، حركة نشطة لبيع كل شيء، بدءاً من السيارات والأجهزة الكهربائية وصولاً إلى الملابس والطعام.

الفوضى تخلق أسواقاً جديدة
في حديثه لـ”الغد السوداني”، أشار المواطن محجوب صالح إلى أن سوقاً كبيراً أُنشئ في منطقة شرق النيل، تحديداً في الحاج يوسف، حيث تُباع بضائع منهوبة من مصانع بحري، ما يعكس حالة الانفلات الأمني. وفي دارفور والأبيض ومدني، تنتشر أسواق مشابهة، تبيع مواد مسروقة من المصانع والمنظمات الإغاثية.

الاقتصاد والنسيج الاجتماعي في خطر
رغم أن هذه الأسواق وفّرت للمواطنين ذوي الدخل المحدود فرصة لشراء سلع كانوا يعجزون عن الحصول عليها قبل الحرب، إلا أن وجودها تسبب بأضرار بالغة. يرى خبراء أن هذه الأسواق تمثل خطراً على الاقتصاد المحلي، إذ تشجع النهب وتُطيل أمد النزاعات عبر تمويل الفوضى.

كما أثارت “أسواق دقلو” نقاشاً واسعاً حول مشروعيتها. بينما يبرر البعض شراء المواد الغذائية كضرورة بسبب شح الإمدادات، يعتبر آخرون أن شراء الأجهزة والسلع الأخرى يعد تشجيعاً للنهب والجريمة.

معضلة أخلاقية ومجتمعية
يعتقد يوسف خالد (اسم مستعار)، وهو أحد سكان الخرطوم، أن الفوضى أتاحت للمواطنين فرصة نهب المصانع ومخازن الشركات، حيث شاهد أفواجاً من النساء والأطفال وكبار السن ينقلون البضائع بشتى الوسائل. ومع ذلك، يشدد يوسف على أن بعض البضائع في هذه الأسواق ليست مسروقة، بل تعود لمواطنين باعوها خوفاً من سرقتها.

الخطر يمتد إلى المستقبل
يحذر محللون من أن استمرار هذه الأسواق يهدد بترسيخ ثقافة النهب وتقويض النسيج الاجتماعي في السودان. كما أنها تعزز اقتصاد الظل الذي يقوض المؤسسات الرسمية، ما يساهم في زيادة معاناة المواطنين وعرقلة جهود استعادة الاستقرار.

تظل أسواق “دقلو” شاهداً على تأثير الحروب على المجتمع السوداني، حيث تمتزج الحاجة الاقتصادية بالمعضلات الأخلاقية في ظل غياب القانون والنظام.

مقالات ذات صلة