في ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها السودان، أصبح من الضروري أن يتقدم خبراء الاقتصاد السودانيون لتحليل الوضع الراهن واقتراح حلول عملية لإدارة الاقتصاد خلال فترة الحرب وما بعدها. لا يمكن تجاهل تأثير النزاعات على الاقتصاد، حيث تؤدي إلى تشوهات كبيرة أبرزها احتكار مجموعة معينة للقرارات الاقتصادية واستبعاد العديد من كودار المؤسسات الاقتصادية والمؤسسات الحكومية خارج دائرة اتخاذ القرار بسبب تداعيات الحرب وانعدام شبة كاملة للشفافية. في هذا المقال، نحاول تسليط الضوء على النموذج الاقتصادي المتبع حاليًا وأدوات إدارته، إذ لا يمكن ان نعتقد ان الاقتصاد في هذه المرحلة يدار بشكل عشوائي وبدون خطة واضحة. واكيد هنالك نموذج اقتصادي متبع.
يُعرّف اقتصاد الدولة بأنه النظام الذي تديره الحكومة، ويتضمن جميع الأنشطة الاقتصادية داخل حدودها، بما في ذلك إنتاج وتوزيع واستهلاك السلع والخدمات. كما يعكس كيفية إدارة الموارد الطبيعية، البشرية، والمالية. بناءً على هذا المفهوم، فإن الاقتصاد الوطني يقوم على توزيع الموارد المحدودة لتلبية الاحتياجات غير المحدودة للمواطنين. إدارة الاقتصاد الوطني هي عملية معقدة تتطلب تخطيطًا استراتيجيًا وتنفيذًا دقيقًا لتحقيق أهداف مثل النمو المستدام، الاستقرار المالي، العدالة الاجتماعية، وتحسين مستوى المعيشة.
يواجه الاقتصاد السوداني اليوم تحديات جسيمة نتيجة تراجع الإنتاج والاعتماد المتزايد على الموارد غير المستدامة. أدى ذلك إلى ارتفاع معدلات التضخم، انخفاض قيمة العملة، ونقص السيولة الأجنبية، ما أثر بشكل مباشر على قدرة الدولة على استيراد السلع الأساسية. إضافة إلى ذلك، فإن السودان يواجه صعوبة في الحصول على تمويل خارجي بسبب الديون المتراكمة، مما زاد من تعقيد الأزمة الاقتصادية. كما أن ارتفاع معدلات الفقر أثر سلبًا على الاستقرار الاجتماعي، ما يتطلب إصلاحات جذرية لضمان التعافي الاقتصادي في المستقبل.
يعد قطاع التعدين أحد أهم مصادر العملة الصعبة في السودان حاليًا، خاصة مع تراجع القطاعات الإنتاجية الأخرى مثل الزراعة والإنتاج الحيواني، حيث لا توجد إحصائيات دقيقة عن الإنتاج الزراعي والحيواني خلال فترة الحرب. إلى جانب ذلك، تشكل تحويلات المغتربين عاملًا رئيسيًا في دعم الاقتصاد، حيث تسهم بشكل كبير في تمويل الأسر والأنشطة الاقتصادية. كما أدت الحرب إلى انتشار التجارة غير الرسمية، وظهور الأسواق الموازية، التي أثرت بشكل سلبي على استقرار الاقتصاد الرسمي. وتعتمد الدولة أيضًا على المساعدات الإنسانية الدولية، والتي تلعب دورًا في توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين.
يحاول بنك السودان المركزي وضع سياسات للحد من التضخم والسيطرة على سعر الصرف، إلا أن التحديات الأمنية والاقتصادية تجعل هذه السياسات محدودة الفعالية. يظل غياب الشفافية والرقابة المالية أحد أبرز المشكلات التي تعوق تقدم الاقتصاد، حيث تعاني معظم مؤسسات الدولة الاقتصادية والتجارية من ضعف الحوكمة والمساءلة.
التحديات التي تواجه الاقتصاد السوداني تتضمن عدم الاستقرار الأمني والسياسي، والذي يعوق جذب الاستثمارات الأجنبية. كما أثر الصراع المسلح على الإنتاج الزراعي والحيواني، مما أدى إلى انخفاض الإنتاجية وزيادة التكاليف. إضافة إلى ذلك، يظل الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية عقبة رئيسية أمام أي إصلاحات اقتصادية حقيقية. وتعد البنية التحتية المتدهورة إحدى المشكلات الكبرى، حيث كانت تعاني من الإهمال حتى قبل اندلاع الحرب.
ورغم هذه التحديات، لا يزال هناك أمل في إمكانية إنعاش الاقتصاد السوداني. يمكن أن يشهد السودان تحسنًا تدريجيًا إذا تمكنت الدولة من تنفيذ مراجعات وإصلاحات هيكلية في أعقاب الحرب. يمكن للسودان الاستفادة من علاقاته مع الدول المجاورة مثل مصر في مجالات الطاقة والتجارة، إضافة إلى الحاجة إلى دعم فني لتحسين إدارة الاقتصاد. كما يجب تشجيع الاستثمارات الأجنبية في قطاعات الزراعة، التعدين، والطاقة، بما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة.
تمر إدارة الاقتصاد السوداني حاليًا بمرحلة انتقالية صعبة، حيث تحاول الحكومة تنفيذ إصلاحات اقتصادية معتمدة إلى حد كبير على ريع الذهب، في ظل تحديات سياسية وأمنية واجتماعية كبيرة. يعتمد نجاح هذه الإصلاحات على تحقيق الاستقرار السياسي والأمني، مكافحة الفساد، وجذب الدعم الدولي. إذا تم تنفيذ هذه الإصلاحات بشكل فعال، يمكن أن يشهد الاقتصاد السوداني انتعاشًا تدريجيًا في السنوات القادمة. وأخيرًا، نناشد خبراء الاقتصاد السودانيين بالتحرك العاجل لوضع خطة اقتصادية خمسية لإنقاذ السودان قبل فوات الأوان.