بسم الله الرحمن الرحيم
الحكومة الموازية ( الجزء الثاني)
فك ارتباط تقدم…. انقسام أم توزيع أدوار ( الحلقة الأولى )
***
(1)
قال تعالى:
( فَبَشِّرۡ عِبَادِ ٱلَّذِينَ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقَوۡلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُۥٓۚ )
وقال:
(وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعۡنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلَا۠)
ليس الهدف من السرد التالي المجادلة والمراء ولكن أخذ العبرة واستدراك الخطأ فخير الخطائين التوابون.
(2)
حفلت الفترة الانتقالية بأخطاء فادحة أشرنا لها في حينها وبعدها في سلسلة حلقات ( حرب السودان)، ولن تجد وصفاً أبلغ للفوضى والاختطاف والغموض وغياب الشفافية والأجندة الذاتية والأجنبية التي اكتنفت الفترة الانتقالية مما ورد في كتاب الأستاذ فايز الشيخ السليك ( كواليس الفترة الانتقالية) وكتاب ( ورشة تقييم الفترة الانتقالية) وكلا الكتابين شهادات من الداخل يصدق فيهما القول القرآني ( شهد شاهد من أهلها) أو القول الانجيلي ( من فمك أدينك). وما قصدنا إدانة الجميع فكثير من الفاعلين الأساسيين في الفترة الانتقالية كانوا ضحايا عدم المعرفة ( بنوايا المتنفذين) أو الصمت خوفاً من ( شق الصف) وعودة الفلول أو شماتة الأعداء أو غيرها من الأسباب.
استمرت أخطاء الفترة الانتقالية وأخطاء واختطاف بعض القوى والشخصيات المهيمنة حتى انقلاب 25 أكتوبر ، ثم عملية الاتفاق الاطاري التي كان من الممكن أن تُسْتدرك عيوبها. ولم تجد العظة طريقها بعد الحرب حيث جاءت (تقدم) محملة بعيوب ممارسات قحت المجلس المركزي تلك الممارسات التي قادت لتشظي قحت وخروج مكونات فاعلة منها مثل حزب الأمة ثم جزء من تجمع المهنيين بعد انقسامه ثم الحزب الشيوعي ثم حزب البعث الأصل. فتحملت كثير من الشخصيات والمكونات ( الحزبية والمدنية) وزر وأخطاء المجموعة المتنفذة التي قادتهم في اتجاهات عكس خط الحياد المعلن وضد المصلحة الوطنية وحتى المصلحة الحزبية لتلك المكونات إذ عزلتها من جماهيرها ومن بقية الشعب السوداني بل وقادت لمشاكل وانقسامات داخل تلك الأحزاب والمكونات كما حدث في التجمع الاتحادي المعارض وحزب الأمة والمؤتمر السوداني على سبيل المثال وكانت الهيئة القيادية للحزب الاتحادي المعارض قد نفت مثل حزب الأمة أن تكون مشاركة الحزب قد تمت بناءً على قرار مؤسسي ، بل وقادت تلك الأخطاء لعدم ارتياح حتى داخل المجموعات المؤمنة بهذا التحالف حيث توالى تقديم المذكرات من كثير من مكوناته منها (بحسب حديث الدكتور بكري الجاك الناطق الرسمي) الجبهة الثورية ولجان المقاومة وحزب الأمة القومي والأجسام النسوية وكذلك نقابة الصحافيين والحارسات وتجمع العاملين بالنفط (حسب البيان الختامي للاجتماعات).
هذا غير الصراعات ذات الصبغة الشخصية والمؤسسية داخل تقدم. وكان الدكتور بكري الجاك قد ذكر أن أهم الخلافات داخل (تقدم) تتركز حول مسألة تمثيل الأجسام المختلفة وحول آليات اتخاذ القرار – داخل تقدم نفسها – إضافة لاختلاف الرؤى.
فضلاً عن الآثار المستقبلية السالبة لهذا التباعد عن القواعد الشعبية (والجفوة أو الفجوة) على التحول الديمقراطي الذي لا يتحقق بدون الأحزاب.
ثم جاء انقسام ( تقدم) ليقدم فرصة أخيرة لتلك القوى لتكوين الجسم الجديد ( صمود) على أسس تستدرك أخطاء تكوين وممارسات (تقدم) واستصحاب موافقة الأحزاب والمكونات المنضمة لها. كما تستدرك أخطاء هيكلتها وأخطاء الانفراد بالقرار من قبل شخصيات وأفراد يشكلون نفس المجموعة المتنفذة العابرة للأحزاب والتكوينات، وأخطاء تضارب التصريحات والمواقف والذي تجلّى في تغيير عدد من الناطقين الرسميين لتقدم في فترة زمنية وجيزة. ومن دلائل الانفراد بالقرار استباق رئيس التحالف ( د. حمدوك) مؤتمر تنسيقية تقدم بلقاء عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور والتوقيع معهما على اتفاقيات تتناول أمهات قضايا السودان دون عرض ذلك على أجهزة تقدم التحضيرية ودون انتظار المؤتمر التأسيسي (تم توقيع حمدوك مع الحلو بصفته رئيس تقدم بينما رفض عبد الواحد هذه الصفة فوقع بصفة رئيس الوزراء) وبالطبع لم يعرض ممثلو الأحزاب والتكوينات تلك الاتفاقات علي الجهات التي يمثلونها.
هذا المقال رسالة لمراجعة المواقف وتلمس نبض الشعب بدلاً من الإنكار ورمي اللوم على جهات أخرى أو على جهل الشعب وانسياقه خلف الدعايات الاخوانية، فالسياسي المدني ما له من ملجأ إلا الشعب وإذا فارق شعبه فليس أمامه للاستمرار في السياسة إلا الارتماء في أحضان البندقية ( بندقية الداخل أو الخارج).
ولذلك حينما نتحدث عن تصرفات ومواقف تلك الأجسام التحالفية ( قحت ثم قحت المركزي ثم قوى الاتفاق الإطاري ثم تقدم ثم صمود) ينصب الحديث على المواقف المعلنة والرسمية لها والتي قد لا تكون كل الأجسام الحزبية والمدنية على اطلاع عليها أو مشاركة فيها ولكن هذا لا يبرئ ساحتها إلا أن تقوم تلك الاجسام بتبرئة نفسها وإلا فإن الصمت والاستمرار دليل الرضا.
(3)
كانت الحرب فرصة ( في ظني وقتها) لحوار عميق بين القوى المدنية لتجاوز السلبيات التي صاحبت أداءها ولتسوية خلافاتها والاتفاق على رؤية تؤدي لوقف الحرب، ولكن جولة مجموعة الاتفاق الاطاري ( رموز من قحت وبعض الرموز الأخرى: التعايشي ونصر الدين عبد الباري وعرمان وغيرهم) ليوغندا وتشاد خيبت ظننا وقتها وحذرنا من الانحياز للدعم السريع وحشد التأييد له ( منشور بهذه الصفحة في 6 يوليو 2023). وقلنا ان الهدف المعلن للجولة هو المساعدة في وقف الحرب ولتحقيقه يجب الجلوس للقوى السياسية الأخرى للوصول لرؤية وطنية لوقف الحرب، قبل الذهاب للخارج برؤية طرف واحد فكيف يتحقق وقف الحرب بين العسكريين وبينهم دماء إذا فشل المدنيون في مجرد الجلوس لبعضهم؟
(4)
تم تكوين تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية تقدم من مكونات الاتفاق الاطاري: قحت وحلفاؤها من الشخصيات والقوى المدنية ومن بعض الحركات المسلحة، وبهذا فإن الإسم نفسه لا يعبر عن قوى مدنية لشموله على مكونات عسكرية ( حركة العدل والمساواة و حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي و تجمع قوى تحرير السودان) كما ضمت شخصيات اتضح لاحقاً انتماؤها للدعم السريع، هذا خلاف السياسيين داخل تقدم والذين جندهم الدعم السريع (بمختلف الوسائل ولمختلف الأسباب السياسية والمالية والعشائرية والجهوية) وعلى سبيل المثال فقد ذكر المستشار السابق لقائد الدعم السريع الأستاذ يوسف عزت في لقاء مبثوث على منصة الناشط عزام عبد الله أن الأستاذ طه إسحق أحد أبرز قيادات (تقدم) ثم (صمود) كان مسؤولاً عن ملف قوى الحرية والتغيير داخل الدعم السريع وتحديداً في مكتب عبد الرحيم دقلو قائد ثاني الدعم السريع. ونعيد للأذهان ما ورد في كتاب الأستاذ فائز السليك أن قائد الدعم السريع هو من فرض وزير العدل نصر الدين عبد الباري وأتى به من خارج قائمة لجنة الترشيحات بديلاً للدكتور محمد عبد السلام الذي تم اختياره وإبلاغه من قِبل رئيس الوزراء حمدوك وبناءً على ذلك قدم استقالته من وظيفته قبل أن يبلغه حمدوك باعتذاره وتكليف عبد الباري بديلاً عنه.
وعند انقسام تنسيقية تقدم اتضح الموالون للدعم السريع داخل التنسيقية والذين كانوا شخصيات قيادية مثل اللواء فضل الله برمة رئيس حزب الأمة المكلف ومحمد حسن التعايشي ونصر الدين عبد الباري وسليمان صندل والهادي ادريس والطاهر حجر ومالك أبو روف وغيرهم.
وعند تكوينها اكتفت صمود بالاستمرار على النحو المعتاد وسنأتي في الحلقات القادمة للحديث عن صمود بعد الحديث عن أسباب الجفوة بين تقدم والقواعد الشعبية التي تتهم تقدم إما بأنها الجناح السياسي للدعم السريع أو بموالاته أو الانحياز له في أخف التوصيفات. فلماذا يثار هذا الاتهام.
(5)
هناك عشرون سبباً قاد لاتهام (تقدم) بموالاة الدعم السريع. ويمكن الاستدلال على كل سبب بعدد من الشواهد من المواقف والأحاديث الصادرة من جهات مسؤولة في ( تقدم). ويمكن تلخيص تلك الأسباب مع الاستدلال بأمثلة قليلة على كل منها. ونحن هنا لا نستند على الأقاويل والاتهامات الخطيرة التي وردت من أعداء تقدم ولكن نحاول فقط أخذ البينات مما يصدر عن تقدم وقادتها وكنا قد تحدثنا في وقت مبكر مع بعض المنسوبين لتقدم عن ضرورة معالجة هذا الانحياز الذي سيؤدي لا محالة لقطيعة مع الشعب دعك من مجافاته للحق وللمصلحة الوطنية. ويمكن تلخيص دلائل ذلك الانحياز تحت العناوين الآتية والتي سنستعرض شواهدها في الحلقة القادمة إن شاء الله:
1) تبني سردية الدعم السريع بأن الحرب قد أشعلها الفلول ويقصدون ( المؤتمر الوطني/ الاسلاميين/ النظام السابق) رغم أنهم وقعوا مع الدعم السريع على الدعوة للتحقيق في مسألة من بدأ الحرب. سنورد السردية من أدبيات تقدم في الحلقة القادمة ان شاء الله
2) تبرئة الدعم السريع من الانتهاكات أو التشكيك فيها أو التقليل منها أو تبريرها أو الصمت عنها أو انتظار أخطاء من الجيش لقرنها بالإدانات الخجولة وسنورد أمثلة ذلك.
3) الاتفاق السياسي ( إعلان أديس أبابا) والبنود الموجودة فيه والتي تدعم الدعم السريع وسنفصلها.
4) المشاركة في الإدارات المدنية التي كونها الدعم السريع بكوادر من أحزاب تقدم دون صدور نفي أو عقوبة على من شارك منها.
5) مشاركة قيادات حزبية كبيرة في الدعم السريع نفسه دون أي رد فعل من أحزابها ( مثل المشاركة في وفد التفاوض وفي لجنة الاتصال السياسي للدعم السريع والادارات المدنية ولجان إسناد الدعم السريع).
6) عدم الجدية في لقاء قائد الجيش وسنوضح ذلك من خلال تصريح رئيس تقدم .
7) الانحياز للمحور الاقليمي الداعم للدعم السريع والدفاع عنه ونفي تورطه تزويد الدعم السريع بالسلاح او الدعم المالي واللوجستي والسياسي وسنورد تفاصيل ذلك.
8) محاولة تحييد الدول الداعمة للجيش والنجاح في ذلك وسنورد شهادات من قادة تقدم.
9) تصريحات ودعوات قيادات معروفة في تقدم ومطالبتها باظهار تأييد الدعم السريع لكسر بندقية الجيش والحركة الإسلامية حسب قولهم وسنورد تفاصيل ذلك.
10) تصريح وشهادات من داخل تقدم بأن التحالف مع الدعم السريع بدأ من قبل الحرب.
11) الدعوة لسحب شرعية الجيش والحكومة وسنورد الأقوال والأفعال من قيادات تقدم.
12) الدعوة لحل الجيش والتشكيك في جدوى وجود الجيش وسنورد أحاديث وكتابات عدد من قيادات تقدم.
13) تثبيت الدعم السريع والدعوة لاستمراره وضرورة بقائه باعتباره يمثل مكونات اجتماعية وليس جسما عسكرياً يمكن حله أو دمجه في الجيش.
14) التماهي مع خطابات قائد الدعم السريع والمسارعة للهجوم على خطابات قيادات الجيش وسنورد نماذج التماهي وتغيير الخطاب بناءً على خطابات حميدتي.
15) ترويج أن الدعم السريع وقائده دعاة سلام
16) تضخيم انتهاكات الجيش وحلفاؤه ومساواتها بالسياسة الممنهجة للدعم السريع ضد المواطنين.
17) نفي عدم التزام الدعم السريع باتفاق جدة وانكار أن الاتفاق ينص على بند الخروج من المنازل أو تبرير عدم الخروج أو تعميم المسؤولية في عدم التنفيذ.
18) تصريحات الناطقين الرسميين لتقدم والضغط الاعلامي والسياسي على الجيش ودعوته للاستسلام.
19) سكوت صمود على أعضاء منها شاركوا في مؤتمر نيروبي وعدم محاسبتهم أو التبرؤ منهم.
20) شواهد مختلفة ستعرض في الحلقة القادمة إن شاء الله. ولكن يجب ملاحظة أن ( تقدم) سعت لتثبيت سردية الدعم السريع ودحض رواية الجيش، كما سعت لعزله شعبياً بدمغه بأنه جيش الحركة الاسلامية وعزله إقليمياً بالدعوة لعدم الاعتراف بالحكومة والمطالبة بعدم ارجاع السودان للاتحاد الافريقي وعزله دولياً بالحديث عن الدواعش كما سعت تقدم لتحييد أسلحة الجيش بالدعوة للتدخل العسكري وخلق مناطق آمنة وحظر سلاح الطيران إلى غير ذلك من السند الضخم للدعم السريع.
ونواصل في الحلقة القادمة إن شاء الله.