يمر السودان اليوم بأزمة سياسية عميقة تعكس واقع التشرذم والتنافر بين مكوناته السياسية. تتعدد الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع، منها التاريخ السياسي المليء بالصراعات، وتغليب المصالح الحزبية والشخصية على المصلحة الوطنية، وضعف الثقة بين الأطراف السياسية، فضلاً عن التدخلات الخارجية السالبه التي تزيد من تعقيد المشهد.
أسباب التشظي السياسي في السودان
1. غياب الرؤية الوطنية الموحدة:
معظم القوى السياسية تعمل دون إطار جامع يحدد أولويات الوطن.
2. ضعف القيادة:
فشل القيادات السياسية في بناء جسور الحوار والثقة مع الأطراف الأخرى.
3. التنافس الشخصي والحزبي:
حيث تسعى الأطراف إلى تحقيق مكاسب آنية دون مراعاة لمصلحة البلاد.
4. الإرث التاريخي:
النزاعات الأيديولوجية والإثنية المتراكمة تزيد من تعميق الانقسام.
5ا. لتدخلات الخارجية السالبة:
بعض القوى السياسية تعتمد على دعم خارجي لتحقيق أجنداتها الخاصة، مما يعزز من حالة الانقسام.
مقترح تفصيلي لمعالجة التفرقة وجمع الجميع حول رؤية وطنية
بناء رؤية وطنية سودانية موحدة تجمع كافة الأطراف السياسية والاجتماعية حول مصلحة البلاد العليا، مع تقليل التأثيرات السلبية للخلافات الشخصية والطموحات الحزبية.
محاور المقترح
1. إطلاق مبادرة حوار وطني شامل:
– تنظيم مؤتمر وطني جامع يضم كافة القوى السياسية والمجتمعية والقيادات العسكرية والشبابية بدون استثناء.
– إشراف دولي لضمان الشفافية، مع تركيز على ملكية السودانيين للعملية السياسية.
– استخدام وسطاء محايدين لتيسير الحوار.
2. صياغة رؤية وطنية موحدة:
– تشكيل لجنة مستقلة من خبراء سياسيين واقتصاديين واجتماعيين لصياغة رؤية وطنية طويلة الأمد.
– التركيز على الأولويات المشتركة مثل الأمن، التنمية، والعدالة الاجتماعية.
– إشراك الشعب عبر استفتاءات أو استطلاعات لضمان التوافق.
3. إصلاح المنظومة السياسية والقانونية:
– اعتماد نظام سياسي يضمن التمثيل العادل لجميع الفئات.
– مراجعة القوانين المنظمة للعمل السياسي لضمان الشفافية والنزاهة.
– إنشاء آلية رقابية تضمن محاسبة أي جهة تعمل ضد المصلحة الوطنية.
4. إطلاق مبادرة للمصالحة الوطنية:
– الاستفادة من التجارب الناجحة في دول أخرى في المصالحة الوطنية.
– تقديم ضمانات قانونية للقيادات والأطراف التي تشارك في المصالحة.
– إنشاء صندوق لتعويض الضحايا ومساعدة المناطق المتضررة من الصراعات.
5. التثقيف الوطني وإعادة بناء الثقة:
– إطلاق حملات إعلامية واسعة تركز على تعزيز الهوية الوطنية ونبذ خطاب الكراهية.
– تضمين المناهج التعليمية مواد عن السلام والوحدة الوطنية.
– تنظيم ورش عمل وجلسات تدريب للقادة السياسيين حول أهمية العمل المشترك.
6. إعادة توظيف الموارد المهدرة في الحرب:
– توجيه الإنفاق العسكري إلى مشاريع التنمية والبنية التحتية والصحة والتعليم.
– دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتوفير فرص عمل للمواطنين وتعزيز الاقتصاد الوطني.
– الاستثمار في القطاعات الحيوية مثل الزراعة والصناعة و التعدين لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية.
7. الحد من التدخلات الخارجية السالبة:
– تبني سياسة خارجية تعتمد على الحياد الإيجابي.
– تعزيز استقلالية القرار السياسي السوداني من خلال تقوية المؤسسات الوطنية.
8. آليات التنفيذ:
– إنشاء لجنة وطنية لتنفيذ المبادرة:
تضم ممثلين من كل الأطراف لضمان شمولية العملية.
– جدول زمني واضح:
تحديد مواعيد لكل مرحلة من مراحل التنفيذ.
– آلية تقييم مستمرة:
لضمان تحقيق الأهداف ومعالجة أي تحديات تظهر.
ملاحظة هامة
على الرغم من اجتماع وتوافق قوى سياسية كبيرة سودانية على رؤية موحدة في أديس أبابا تحت إشراف الآلية الرفيعة للاتحاد الأفريقي، إلا أن هذه الرؤية افتقدت المتابعة وآليات التنفيذ والإطار الزمني اللازم لتطبيقها. وبالتالي، أصبحت الحاجة ملحة لتحديد خطة واضحة وآليات محددة لتفعيل هذه الرؤية.
النتائج المتوقعة
– تخفيف التوترات السياسية والاجتماعية في السودان.
– خلق بيئة سياسية مستقرة تسهم في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
– تحويل الموارد المهدرة في الحرب إلى قوة دافعة لتحقيق التنمية المستدامة.
– بناء دولة قوية تعتمد على رؤية وطنية مستدامة، بعيداً عن الصراعات الشخصية والحزبية.
في الختام
إن التشرذم السياسي في السودان يمثل عقبة كبرى أمام تحقيق الاستقرار والتنمية. ولكن من خلال حوار وطني شامل ورؤية موحدة، يمكن للسودانيين تجاوز هذه الأزمة ووضع بلادهم على طريق الازدهار. وإعادة توجيه الموارد المهدرة في الحروب نحو التنمية خطوة حاسمة لتحقيق هذا الهدف. المسؤولية تقع على عاتق الجميع، قادةً وشعباً، لتحقيق هذا الهدف النبيل.
نزار خيري
٢٠ نوفمبر ٢٠٢٤