حسن محمد علي
بسيطرة القوات المسلحة السودانية والقوات المشتركة والقوات المساندة لها علي مدينة “ودمدني” حاضرة ولاية الجزيرة وسط البلاد، فان ثمة مرحلة جديدة قد بدأت في تخلقات الجيش خلال حرب (15) ابريل، وهي تخلقات مد وجذر بلغ الجيش الآن منتهاها بإنتزاع المدن من المليشيا المتمردة بالقوة الكاسحة، ومن الواضح ان القوات المسلحة قد إستعادت زخم طالما أفتقدته في بدايات معركة كانت تشارك فيها مع المليشيا المتمردة دول وغرف إعلام ذات خبرات اقليمية ..لقد إستطاعات القوات المسلحة وبالنظر لوقائع متغيرات مرحلة، من خلق حالة جديدة، وفصل تلك العلائق المترابطة علي المستويين الاقليمي والدولي التي كانت تؤمن بمشروع التمرد وتفكيك البلاد، وإعادة سيطرة بأنماط استعمارية جديدة
بلغت القوات المسلحة الآن مرحلة تشبع وإمتلاك لزمام المبادرة، وإن الذين زاروا المدن التي دخلها الجيش خاصة مدينة ود مدني يتأكدون من المتغيرات علي الارض، جحافل القوات المسلحة، والقوات المشتركة، والمساندين لهم، وعتاد عسكري علي مد البصر، ان الجيش وتشكيلات القوات معه يمكنهم الان “قضم” المليشيا وعتادها والمرتزقة الذين يقاتلون معها، وسحقهم في معارك بآجال زمنية قصيرة، وان آثار المعارك التي شاهدناها وما يزال دخنها يتصاعد، كانت كلها تظهر القوة التي امتلكها الجيش، والتكتيك الحربي الذي تمتع به في العودة من جديد لأرض المعركة وأي عودة
إن الزغاريد التي تتناغم مع هدير المواكب الداخلة لمدينة ود مدني، كانت تؤكد ان الفتوحات ليس أمرا سهلا، انها شئ يتعلق بالمزاج والوجدان، فشتان ما بين إغتصاب القوات المتمردة للمدن، وبين السيل المنمهمر لأفراح ترافق دخول الجيش، ان الزملاء الصحفيين الذين كانوا معي في القافلة أنطبع في داخلهم صوت فتاة صغيرة كانت تهتف بينما نحن نعبر من شارع النيل “ود مدني” “جيشنا جا”، تلك الصورة المقطعية لمشاهد الاجتياحات المشاعرية، وغمر الأنوار الشعشعانية لأرض القباب الجزيرة الخضراء تعبر هي الاخري عن مرحلة رضا عام تتخلق في رحمه حالة من الوفاق الوطني المكتمل لصالح القوات المسلحة
لا جدل كثير، فقد تحولت مدينة ودمدني الي محض جثة هامدة يقطعها النيل الازرق، ان الماء البارد والخضرة التي تغطي أ{ض الجزيرة لم تمنع المليشيا والمرتزقة من هوايتهم المفضلة في القتل والسحل، والسرقة، ان الصورة مختلفة، بإختلاف وطبيعة المشاريع السياسية والفكرية التي تتبناها مليشيا ال دقلو، وبين تحرير الجيش للمدينة، انها كمن يهب الحياة، ويمنعها، ان شكل الحياة قبل دخول الجيش وبعدها لمدينة ود مدني أشبه برحلة الظلام والنور، يمكنك الحديث مع بائعة الشاي وجلستها المحببة للسودانيين، كانت تقول ببعض الدموع المتقاطرة .. حاولنا البقاء وعندما نخرج للعمل نتعرض للكثير من القمع، والطرد في مرات من قبل افراد مليشيا الدعم السريع، الآن تعود من جديد حالة السودانيين بالحليفة والقسم أمام بائعة الشاي لمن يدفع، انها الحياة والفروقات بيننا وبينهم
ان حرب أبريل وعلي بشاعتها، وعبثيتها، أنتجت قادة من رحم اقوات المسلحة، تصدوا لهذه المهام، وفوق رتل الشهداء والجرحي .. فإن قادة جدد أظهروا بسالات وجسارة أجيال القوات المسلحة، وأصحاب الرتب المتوسطة .. أنهم كنوا الوقود الطاهر والمقدس لهذه الحرب، تصدوا لها .. وقابلوها بكل جلد.. وبينما نحن نتجول بالقرب من أمانة حكومة الولاية فاذا بالعقيد “عبادي” وهو واحد من جنود الحرب الطويلة، وممن دخلوا مدينة ود مدني وانتزعوها عنوة واقتدارا من براثن المليشيا المتمردة، لقد وعنا خيرا، وسنسمع في الايام المقبلة ما يسرنا ولم يكن له من الوقت الا بمقدار التقاط صورة تذكارية علي أمل اللقاء في العاصمة الخرطوم، ومنها الي الجنينة والفاشر، وكل شبر وطأته ودنسته ايدي المليشيا
كما ان حرب أبريل أكدت علي صلابة الدولة السودانية ومؤسساتها الوطنية وعلي رأسها مؤسسة القوات المسلحة، وأن نوايا التذويب للجيش، وإعادة تحضيره في قناني جديدة، وذات تبعية اقليمية دولية فشلت، وأنعكست الآية، اننا نتحدث الآن عن تشكيل جديد للقوات المسلحة قوامه قاعدتها التقليدية من الأسلحة والتشكيلات، وأساسه الوجدان المتعمق في نفوس السودانيين، ثم انه أستوعب خلال هذه المرحلة قوات جديدة من القوات المشتركة والمستنفرين تقاتل في صفوفه جنبا الي جنب، مكملا بذلك الصورة القومية في أبهي صورها، لقد أكتملت الصورة في أحلك الظروف وبينما كان الجيش يقاتل حشودا محتشدة من قوي البغي والعدوان