*احتفاء بتحرير مدينة الأبيض*. (لحن الحياة منك) عادل عسوم*

*احتفاء بتحرير مدينة الأبيض*.
(لحن الحياة منك)
عادل عسوم
وأيّ لحن؟!…
الأزهارُ إن افترّت ثناياها لنحلة أو فراشة لتهبها رحيقا؛ فإنها تُلْهِمُ بلحن!
والاشجارُ إن ماست بأغصانها للنسيم، فإنها تكون مبعثا للحن!
والعصافير كلما صوصوت احتفاء بطلوع الفجر، فإنها تتحفنا بلحن!
وهمس الأمواه في آذان الحصى المنثور في الجداول محاكيا صليل الحلي في أيدي الغواني؛ يظل مبعثا للحن!
كلها الحانٌ، لكن هناك من الألحان ما يتمشّى في مفاصل نعّس!!
يسري بليلٍ ليصل إلى جنّة يقال لها (جريبان)، هنااااك في أرض كردفان الغرة أم خيراً جوة وبرة، ليكون المتلقي لذاك اللحن راحلنا الجميل محمد عوض الكريم القرشي (ود القرشي)، الذي اكتحلت عيناه بنور شمس مدينة الأبيض في أحد الصباحات من عام 1924، واذا باقدار الله تجعل من توأم روح له يرى ذات نور الشمس، ولكن في مدينة أخرى من مدن سوداننا الجميل، إنها (شندي) الجميلة بأهلها، فإذا بالناس ينادونه بالشفيع!
ويشاء الله أن تتشابه سيرة حياتيهما ودون ان يريا بعضيهما!
فكل منهما ينقطع عن الدراسة بُعيد اكماله للمرحلة الوسطى لمساعدة الوالد في التجارة!
وإذا بسحائب الابداع تتساوق إلى كليهما، فيصبح الأول شاعرا مُجيدا، بينما يقتحم الآخر عوالم الإبداع الفني مغنيا فيصبح من اساطين فناني السودان الأماجد.
واذا برحم الإبداع يتمخض ليلد للناس (لحن حياة) التي أسماها الناس ب(ملامة)،
فانداح أريجها وفاح غامرا السوح والفضاءات مابين الابيض وأمدرمان وشندي!..
كلمات هذا العمل الفني الخالد قد تبدو في ظاهرها من البساطة بمكان، ولكن قراءة متأنية لمدلول كل كلمة -على بساطتها يسوق النفس سوقا -رفيقا ورقيقا- إلى مراداتٍ لشاعر مبدع، وتكتنفها روح سماحة بهية…
لحن الحياة منك
وما تقول نسينا الماضي
وصرنا ناسينك
محبوبي الجميل

سألوني عنك
عَرّفتهم.

إيه الصفات عنك
خبّرتهم.

شافوا الجمال منك
أقنعتهم.

طولت لكنك
أنا ياحبيب الروح
أعفيني من ظنك
محبوبي الجميل.

سالمني بي إيدو
والدمع انهمر.

ذكَّرني بي ريدو
في أوقات السمر.

ساحرني بي محيو
وجنني وأسر.

شاغلني بي نورو
وكم أخجل قمر.

بس تنسى كيفنك
وإنت الوحيد بالذات
الكنا ذاكرينك
محبوبي الجميل.

وفيما الملامة يا روحي.

وكلي هياما، يا روحي.

ويامن تعاما يا روحي.

سلاما سلاما يا روحي.

وذكرى محب يا روحي.

تموج بي قلبي يا روحي.

وأنت بي قربي يا حبيبي.

حياتي وحبي يا روحي.

أهنأ وانت بعيــد
ما كنا ناسينك.

والحب عليك إزداد
غمر النفوس ضنك
محبوبي الجميل.

لحن الحياة منك
وما تقول نسينا الماضي
و صرنا ناسينك
محبوبي الجميل.

ذات لحن الحياة
كتب عنه راحلنا الجميل الطيب الدوش (الحزن القديم) وذلك عندما قال:
بتطْلَعِى إنتِ من غابات
ومن وديان…
ومنى أنا..
ومِن صحْيَة جروف النيل
مع الموجَهْ الصباحيَّه..
ومن شهقَة زهور عطشانَهْ
فوق أحزانهْا..
متْكَّيهْ..
بتَطْلَعى إنتِ من صوت طِفلَهْ
وسط اللمَّهْ منْسيَّهْ
الدوش (هنا) يحيل(ها) بجسدها إلى لحن حياة يتلمسه في كل شئ حوله:
في نفسه التي بين جنبيه…
ومن وديان..
ومن غابات…
ومن صحية جروف النيل مع الموجة الصباحية
ومن شهقة زهور عطشانة فوق أحزانا متكية
ومن صوت طفلة وسط اللّمة منسية
يالجمال المعاني والمباني في زوايا الأمكنة حيث تطلع (هي)!
لكن الدوش أنقص من (لحن الجمال) عندما حصره وسجنه داخل إطار حدد به الملموسات، وذلك عندما قال: ب(تطلعي) إنتي…
أما القرشي فلم يفعل ذلك، إنما قال:
لحن الحياة (منك)!!
ودالقرشي أحال كل مشاعر الجمال وأحاسيسه إلى (روح) ووضعها في قالب ل(لحن الحياة)، واللحن دوما يكون (روحا) لاجسد له…
وبذلك فإن لحن حياة ود القرشي أكثر شمولا واحاطة من لحن حياة رفيقه الدوش، وهو بالتالي أكثر قدرة على الانتشار كما أشعة الشمس تنداح بعفوية في كل الأمكنة والزوايا…
وإذا بفخامة المعاني والمباني يكتمل بهاءها من بعيدٍ لمهوى قرط الإبداع، وهو راحلنا الجميل الشفيع…
استمعوا لها بأدائه يا أحباب وأحكموا.
adilassoom@gmail.com

مقالات ذات صلة