قرارات اقتصادية جريئة في السودان..
خطوة إصلاحية أم تحدٍ كبير؟
في ظل التدهور الاقتصادي الحاد الذي تشهده البلاد منذ أكثر من عامين على اندلاع الحرب، أعلن مجلس الوزراء السوداني عن حزمة من القرارات النوعية، وصفها رئيس الوزراء كامل إدريس بالجريئة، وهدفت إلى ضبط الأداء الاقتصادي واستقرار سعر صرف الجنيه السوداني الذي وصل إلى مستويات قياسية منخفضة، حيث تجاوز الدولار الواحد 3400 جنيه في السوق الموازية.
ركزت هذه القرارات على محاور جوهرية تتعلق بضبط حركة الاستيراد والتصدير، مكافحة التهريب، وتنظيم سوق الذهب، إضافة إلى تحسين الرقابة المالية والتجارية على الصادرات والواردات.
حسب سياق القرارات فانها تمثل خطوة استباقية في ثلاثة أبعاد رئيسية:
أولا: تعزيز قدرة الدولة على التنظيم والرقابة وذلك بحصر شراء وتسويق الذهب في جهة حكومية واحدة وإنشاء منصة رقمية لمتابعة حركة الواردات والصادرات، وهو ما يعكس توجهًا نحو تحسين الشفافية وتقليل قنوات التهريب غير القانونية. هذه الإجراءات تتماشى مع أساليب السياسة الاقتصادية الرشيدة التي تركز على رقابة الموارد الأساسية وحماية الاقتصاد من الفساد والتلاعب.
ثانيا: التركيز على العدالة الاقتصادية وحماية المواطنين وذلك بمراجعة أوامر الطوارئ في الولايات المتعلقة بجبايات غير قانونية، وضبط الاستيراد غير المقنن، وهو ما يظهر اهتمامًا بتخفيف الأعباء عن المواطن، وهو عنصر أساسي في أي سياسة عامة تهدف لتحقيق توازن بين متطلبات الاقتصاد الكلي ورفاهية المواطنين اليومية.
ثالثا: الإصلاح الهيكلي والوقائي عبر تفعيل دور قوات مكافحة التهريب وتمكينها بالوسائل الضرورية، مع الالتزام بالقوانين الخاصة بحيازة الذهب، الشئ الذي يعكس محاولة لإصلاح الثغرات النظامية التي استغلتها الأسواق غير الرسمية، وبالتالي حماية النقد الأجنبي وتعزيز استقرار العملة الوطنية.
رغم وضوح هذه الرؤية الإصلاحية، يظل التحدي الأكبر في التنفيذ الفعلي للقرارات، خاصة في ظل هشاشة البنية الاقتصادية والفساد المستشري منذ سنوات. فالمتابعة الدقيقة للسلع والذهب تتطلب أجهزة رقابية مؤهلة ونظامًا متكاملًا للبيانات، وهو ما يضع الحكومة أمام اختبار عملي حقيقي لمدى جديتها في تطبيق الإصلاحات.
إذا نجحت الحكومة في تطبيق هذه القرارات بصرامة وشفافية، قد يشهد السودان تراجعًا تدريجيًا في أسعار السلع الأساسية وتحسنًا نسبيًا في قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية. أما الفشل في التنفيذ، فسيزيد من معاناة المواطنين، ويغذي سوقًا سوداء أقوى وأكثر عنفًا.
في المحصلة فان قرارات لجنة الطوارئ الاقتصادية تشكل خطوة استراتيجية ضمن مسار إصلاح الاقتصاد الوطني، لكنها اختبار حقيقي لقدرة الحكومة على تحويل الخطط إلى واقع ملموس.
في عملية صنع السياسات العامة أي قرار مهما كان “جريئًا”، يحتاج إلى تصميم آليات تنفيذية واضحة، مؤسسات قوية، ورصد دقيق لتأثيره على المجتمع والاقتصاد، وإلا سيظل مجرد ورقة على مكتب بدون أثر يذكر.
وائل عبدالخالق مالك
#جيش_واحد_شعب_واحد
#مافي_مليشيا_بتحكم_دوله
#ضد_الجنجويد
#حكومة_الامل
#جيشنا