*اعود اليوم بعد ما يقارب الستة اعوام للمشاركة في مظاهرة احتجاج في لندن.. على عسكوري*

.
ستعيد لى هذه المظاهرة احتجاجاتنا ومظاهراتنا العديدة في لندن ضد نظام الانقاذ منذ عقد التسعينات في القرن الماضي.
ستعيد لى ايضا ذكريات حزينة، فكثيرين من الاخوة والاخوات الذين كانوا فاعلين في تلك المظاهرات ارتحلوا الى الدار الاخرة (رحمهم الله واحسن اليهم) ترقد رفاتهم في مقابر متفرقة حول لندن ومدن اخري في انجلترا. المؤلم ان كثير منهم لم يحضروا سقوط نظام الانقاذ و دحره وقد تظاهروا ضده مئات المرات! ذهبوا وما تزال اصداء هتافاتهم تتردد في جدران مباني (الوايت هول) وتمثال (الفيلد مارشال مونتغمرى) في مقابلة (١٠ دواننج ستريت)!
لم تذهب تضحايتهم سدى ولم يخذلهم الشعب السوداني، فقد واصل كفاحه الصعب حتى نال مبتغاه ودحر نظام الانقاذ بكل صلفه وجبروته وبطشه.

اعود اليوم مع سودانيين وسودانيات كثر، اغلبهم من الاجيال الجديدة للتظاهر ضد مواقف الحكومة البريطانية من الحرب في السودان.
ها قد انتقلنا الآن من التظاهر ضد حكومات الخرطوم الى التظاهر ضد الحكومات البريطانية! وكأنه قد كتب علينا الا نلتقط انفاسنا.
و رغم تقدم العمر، الذى امضيناه في الاحتجاج من اجل حق شعبنا في الحرية والكرامة، لم تضعف الهمة، ولم تنال السنوات ولا الامراض المزمنة من العزيمة لمواصلة حفر جدار عتمة المظالم لينال شعبنا حقه في العيش الكريم.

اكثر ما يسعد الانسان هو ان الاجيال الجديدة ماضية بنفس العزيمة في مواصلة النضال.
ينتابني احساس قوى ان الشعب السودانى كتب عليه النضال ضد الظلم الى قيام الساعة. فما كدنا نخرج من دكتاتورية الانقاذ لثلاثة عقود، وقبل ان نلتقط انفاسنا حتى دخلنا في النضال ضد المليشيا ووحشيتها التى كادت ان تقضي على الاخضر واليابس في بلادنا بل تقضي علي بلادنا نفسها وتمسحها من الخارطة.
الصادم ان بعض الذين ناضلوا معنا ضد دكتاتورية الانقاذ، اصطفوا اليوم لمناصرة ودعم مليشيا مجرمة اسوء مئات المرات من نظام الانقاذ، يعتلون المنابر مدافعين عنها وعن جرائمها و مذابحها، انها الوصولية والانتهازية في ابهي تجلياتها.
باسم استعادة الديمقراطية يصمتون عن جرائم الابادة وعن قتل الالاف من المدنيين العزل وتهجير الملايين. إدعى هولاء كذبا انهم كانوا ينضالون من اجل الحرية والعدالة. هم في حقيقتهم، معكوس الانقاذ، اى دكتاتورية في الاتجاه المعاكس للانقاذ فقط! وكما نعلم، فالدكتاتورية تظل دكتاتورية يمينا كانت ام يسارا!
اعود اليوم مثقلا بصدى اصوات الاخوة والاخوات الذين ارتحلوا وما (باعوا)، كما باع اليوم البعض في سوق نخاسة آل دقلو للساسة، اعود فقط لأؤكد لارواحهم اننا على العهد ماضون وان تثاقلت الخطى بفعل السنين، لكنا لم نغير ولم نبدل.
منذ انقلاب الانقاذ العام ١٩٨٩ حمل السودانيين مطالبهم حول الحرية والكرامة في بلادهم الى شعوب وبلدان شتي وما انفكوا ينافحون عنها. وكلما زاد القتل في بلادهم ارتفعت احتجاجاتهم حول العالم. يا لكم من شعب ترفع له القبعات! لله دركم!
a luta continua.
كم … كم.. كم من العقود سيستمر هذا النضال والبحث عن العدالة والاستقرار!
اجيال افنت عمرها فيه واجيال جديد تستلم الرأية…! ما اروع قصتنا الملهمة…!

يا سيد الجمرة
يا سيد الشعلة
ما اوسع الثورة
ما اضيق الرحلة
ما اكبر الفكرة
ما اصغر الدولة*
a luta continua

*الابيات لدرويش (مديح الظل العالى)

مقالات ذات صلة