يقترب العيد، ولكن الفرح لا يقترب بالقدر نفسه.
تمر الايام متثاقلة، كأنها تبحث عن شيء ضاع منها في الطريق.
ولعل هذا ما جعل الكثيرين يرددون عبارة: “النفسية محتاجة عيدية”، وكأننا جميعا نحاول أن نطلب من الحياة لحظة راحة، أو لمسة حنان، أو شيئا يعيد ترتيب دواخلنا.
العيد في الذاكرة ليس مجرد مناسبة دينية، بل طقس من طقوس الفرح، يوم مختلف يحمل في تفاصيله معنى الحياة.
هو فطور جماعي، بيت مزدحم بالاهل، ضحكات لا تنتهي، أطفال يرتدون الجديد بفرح صادق، وأمهات يعدن ما لذ وطاب وكانهن يصنعن السعادة بأيديهن.
ولكن، ماذا عن من فرقتهم المسافات، ومن دمرت الحرب بيوتهم، ومن ضاقت بهم الايام حتى ضاع منهم الشعور بالعيد؟
النفسية حقا تحتاج الي ما هو أعمق من المال والهدايا.
نحن نحتاج الى طمانينة، إلى من يقول لنا: “كل شيء سيكون بخير”، إلى لحظة صادقة نشعر فيها باننا لسنا وحدنا.
العيدية الحقيقية هذه الأيام قد تكون مكالمة من شخص نحبه، أو كلمة طيبة، أو لقاء بسيط في ظل شجرة، أو دعوة من قلب صادق.
لقد صار التعب النفسي جزء من يومنا حتى غدا البعض يصف حاله بكلمات مثل: “اكتئاب”، “توتر”، “صدمة”، دون أن يدرك المعنى العميق لهذه الكلمات.
صار الناس يشخصون أنفسهم بأنفسهم، ويفسرون سلوك الآخرين بلغة نفسية شعبية تتردد في وسائل التواصل، دون معرفة حقيقية.
لكن الالم النفسي لا يرى، ولا يقاس بسهولة، ولا يعالج بكلمة عابرة.
وفي خضم هذا كله، يأتي العيد.
يأتي كما لو كان استراحة صغيرة من هذا العالم المتعب.
فرصة نادرة لنستعيد أنفسنا، نراجع أرواحنا، ونمنحها شيئا من الهدوء والسكينة.
ولذلك، علينا أن نحاول أن نمنح العيد فرصة للدخول إلى قلوبنا، ولو من نافذة صغيرة.
ربما لا نملك كل ما نريده، وربما فقدنا أشخاصا نحبهم، وربما لسنا في المكان الذي كنا نحلم به…
لكن لا يزال بإمكاننا أن نصنع من اللحظة بهجة، ومن الكلمة الحلوة عيدية، ومن اللقاء البسيط عيدا كاملا.
العيد ليس مكانا ولا زمانا، العيد هو شعور، هو روح، هو قرب، هو محاولة للفرح رغم كل شيء.
كل عام وأنتم بخير،
وكل عيد وأنتم في سلام داخلي، محاطون بالحب، قريبون من من تحبون.
وان كانت النفسية متعبة …فليكن العيد عيديتها المنتظرة.