اطلعت على خطاب سياسي لعبد العزيز الحلو بتاريخ ٢ يوليو، في الحقيقة لم ارهق نفسي بالاستماع اليه في وقته بل قمت بقرائته في وقت لاحق. فالرجل الذي قاد الحركة الشعبية/شمال للانقسام والانحسار بدوافع اثنية لن يأتي بجديد او مفيد على صعيد الوطن. وليس ارتماءه في حضن الجنجويد سوى مظهر بسيط من حقيقة ارتهانه وحركته لسوق النخاسة السياسية الناشط خلال حرب السودان، فالكفيل قادر على الشراء والبغايا لديهن ما يعرضنه للبيع.
خطاب الحلو رغم ما يبدو من ظاهره من صياغة احترافية ومصطلحات جذّابة، الا انه لن يصمد امام اي تفكيك موضوعي لكشف ما وراء الشعارات، وبيان التناقضات والمغالطات التي تُمثّل خطراً على وحدة السودان واستقراره.
أولاً: مغالطات تاريخية وتسييس للهوية
شيطنة الماضي بشكل انتقائي: الحلو يعيد سرد التاريخ بشكل أحادي وانتقائي؛ حيث يُحمّل الدولة السودانية منذ 1821 كل مظاهر الفشل والتهميش وكأنها مؤامرة دائمة ضد “المهمشين”، دون التطرّق لمُعطيات الواقع المعقد أو الأسباب الهيكلية المرتبطة بتخلف الإدارة، الفساد، ونُخب الهامش أنفسهم.
إقصاء مفهوم الهوية الوطنية الجامعة: الخطاب يُلغي فعلياً أي انتماء قومي أو وطني سوداني جامع، ويُحاول فرض مفهوم “السودانوية” كهوية بديلة، دون تحديد واضح لمعناها أو كيفية تحقيقها عملياً. هذا التوجّه يعكس رغبة في تفكيك الهوية الوطنية لصالح مكونات إثنية وجهوية.
ثانياً: تناقضات في مشروع “السودان الجديد”
يدعو إلى “الوحدة الطوعية” بينما يؤسّس للانفصال: الحديث عن وحدة طوعية يتضمّن ضمناً التهديد بالانفصال. فالوحدة الطوعية تحت تهديد السلاح أو وفق شروط أيديولوجية مسبقة لا تُبنى بها دول، بل تُزرع بها بذور تفكك.
استنساخ تجربة جنوب السودان: ذات المبادئ التي تبنّتها الحركة الشعبية في الجنوب ونتج عنها دولة (جنوب السودان)، يُعاد طرحها الآن على الشمال. تجاهل دروس الانفصال الكارثي في الجنوب يُعد جهلاً سياسياً أو توظيفاً انتهازياً.
علمانية مفروضة لا محلّ توافق عليها: مشروع الحلو يطرح العلمانية كشرط تأسيسي دون اعتبار للسياق الثقافي والاجتماعي السوداني، وكأن الأمر لا يخص الشعب ولا يتعلق باختياراته والاحتكام اليه. هذا النهج الإقصائي يخلق صدامًا مؤجلاً.
ثالثاً: تحالف “تأسيس”.. عنوان تصفية الخصوم لا بناء الدولة
خطاب عدائي صريح: “تفكيك السودان القديم، تدمير الإسلاميين، تحطيم النُّخب المركزية” – هذه العبارات لا تعبر عن مشروع وطني، بل عن مشروع تصفية حسابات سياسية وأيديولوجية. الخطاب لا يختلف في مضمونه عن دعوات الجهاد الأيديولوجي التي مارسها الإسلاميون من قبل.
استبدال مركز بآخر: الحلو يُهاجم المركز التاريخي (الخرطوم، النيل الأوسط) لكنه يسعى لخلق مركز بديل في الجبال أو الهامش، يتحكّم في البلاد تحت ستار المظلومية، وهو ما يُعيد إنتاج نفس الصراع بصيغة إثنية معكوسة.
تخندق إثني مسلّح: محاولة وصف تحالف “تأسيس” كتحالف مدني ديمقراطي تتناقض مع حقيقة أنه قائم على فصائل إثنية مسلّحة، هذا يجعل منه مشروع حرب أهلية بواجهة دستورية.
رابعاً: استغلال النوبة وشيطنة الآخرين
تحريض خفي على الانقسام العسكري: وصف تعيين وزير نوباوي في الحكومة بأنه “مؤامرة لتجييش النوبة ضد الحركة الشعبية” يُعتبر تحريضاً على العصيان داخل المؤسسة العسكرية. والحلو يعتقد انه يستطيع التأثير بهذا الوصف على وحدة الجيش والدولة.
تقسيم الإقليم عمداً: الخطاب يسعى لتأجيج الصراع داخل الإقليم من خلال تصوير النوبة كضحية دائمة، وشيطنة أي شخصية نوباوية لا تتبع الحركة الشعبية، وهو نهج انقلابي على مبدأ تمثيل التنوع الداخلي نفسه.
خامساً: غموض استراتيجي ومشروع بلا واقعية
ما بعد الحرب مجهول: الخطاب يتحدث بثقة عن “ما بعد الحرب” و”إعادة الإعمار”، لكن لا توجد خطة واضحة أو تحالف سياسي مدني حقيقي يستطيع إدارة دولة. كل ما يُطرح هو مواثيق نظرية غير قابلة للتطبيق في ظل حمل السلاح.
تجاهل الرأي العام والمكونات الأخرى: الحلو يتحدث وكأنه يحمل تفويض من الشعب، بينما واقع الحال أن الغالبية الصامتة من السودانيين – حتى في الهامش – تريد السلام لا مشاريع طوباوية مؤدلجة.
النتيجة النهائية: مشروع الحلو ليس تأسيسًا لدولة، بل تفكيكًا لوطن
تحالف “تأسيس” هو عمليًا إعادة تدوير لفكر شمولي بصيغة يسارية إثنية، يرتدي ثوب الحقوق بينما يزرع بذور الفتنة.
الخطاب يحمل شعارات براقة ولكن بلا أدوات حقيقية لبناء وطن موحد. بل إن أدواته (السلاح، الإقصاء، الطرح الجهوي) تهدم الوطن.
الأزمة السودانية لن تُحل بإلغاء مكون لصالح آخر، أو فرض العلمانية والسلاح كحل، بل بالتوافق الوطني المتدرج والشامل.
لا يُمكن لدولة أن تُبنى على تحطيم الماضي “تحطيم السودان القديم”، أو على شيطنة كل من لا يتبع حركتك. ما يُبنى على الكراهية والحرب لا ينتج سلامًا. ما يُزرع بالدم لا يُثمر بالوحدة. خطاب الحلو هو خطاب أزمة، لا مشروع حل.
وائل عبدالخالق مالك
#جيش_واحد_شعب_واحد
#مافي_مليشيا_بتحكم_دوله
#ضد_الجنجويد
#السودان_الجديد
#حكومة_الأمل
#جيشنا