في نوفمبر الماضي عقد قائد الجيش عبد الفتاح البرهان لقاءً مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على هامش القمة العربية الإسلامية التي استضافتها السعودية آنذاك، وذلك بعد قطيعة استمرت عدة سنوات بين الخرطوم وطهران منذ 2017 في عهد الرئيس المخلوع البشير على خلفية أزمة بين الرياض وطهران، إثر اقتحام مقار دبلوماسية سعودية في الأراضي الإيرانية وجاء هذا القرار كبادرة تضامن مع السعودية رغم أن إيران كانت في تلك الفترة حليفا استراتيجيا للسودان خاصة في المجال العسكري
وفي ذلك الوقت قال البرهان إنه لم ير من إيران إلا الخير وأنه مستعد لاستئناف العلاقات معها
وبعد أن اتفق البلدان على استئناف العلاقات مرة أخرى سرعان ما ظهرت نتائج هذه العلاقات بتزويد طهران للجيش السوداني بطائرات من دون طيار من طراز “مهاجر” حسب ما نشرته وكالة “بلومبرغ” الأمريكية للأنباء نقلا عمن وصفتهم الوكالة بمسؤولين غربيين وقال هؤلاء المسؤولون إن أقمارا اصطناعية التقطت صورا لهذه الطائرات في قاعدة وادي سيدنا العسكرية التي يسيطر عليها الجيش في أم درمان.
وتتميز هذه الطائرات بأنها ذات محرك واحد وقادرة على إصابة أهدافها بدقة
و في الأسبوع الماضي احتفل جنود من قوات الدعم السريع في مدينة أم درمان التي تشهد معارك ضارية مع قوات الجيش بإسقاط طائرة مُسيّرة إيرانية الصنع من طراز “مهاجر” حسب قولهم ونقلوا بعد ذلك حطام الطائرة الى مكان آخر
و بعد استئناف العلاقات تسعي ايران للتعاون مع الحكومة السودانية مقابل حصولها على قدر أكبر من النفوذ على ساحل البحر الأحمر و تبحث عن مرافئ لسفنها في البحر الأحمر في الوقت الذي تتصاعد فيه الأحداث في هذا المعبر الحيوي المهم في المنطقة
و جراء هذه التقارير التي تحدثت عن تزويد ايران للجيش بالاسلحة و تدخلها السافر في حرب السودان تزايدت المخاوف عند السودانيين من أن الحرب المستمرة في السودان منذ منتصف إبريل من العام الماضي لن تتوقف قريبا وقد تتحول إلى صراع إقليمي وذلك في ظل التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية
وقد أدت المعارك في السودان حتى الآن إلى مقتل أكثر من 13 ألف شخص بحسب تقديرات الأمم المتحدة كما أجبرت أكثر من عشرة ملايين شخص على ترك مناطقهم سواء للإقامة في ولايات سودانية أخرى أو للجوء إلى دول الجوار علاوة على ذلك ألحق القتال دمارا كبيرا بالبنية التحتية من جسور ومرافق كهرباء ومياه ومستشفيات ومنازل مواطنين
مثل هذه التدخلات قد تفاقم الأوضاع وتؤدي إلى اندلاع “حرب إقليمية” في المنطقة مع العلم ان القتال لا يزال مستمرا في كل الجبهات (بالسودان) وهنالك تصعيد كبير من الطرفين مع وصول أسلحة جديدة.. هذه الأسلحة لم تكن موجودة في بداية الحرب وهي تشير بشكل واضح إلى أن الأطراف الخارجية لا تزال تسعى لاستمرار القتال لأجندة خاصة بها وعندما تتقاطع هذه الاجندات فإن الحرب ستتحول إلى حرب إقليمية بطبيعة الحال
و في منتصف يناير شنت الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخرى هجمات مكثفة على مواقع عسكرية تابعة لحركة أنصار الله الحوثية داخل اليمن وذلك “لتهدئة التوترات واستعادة الاستقرار في البحر الأحمر”كما أفاد بيان صادر من وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون).
وجاءت هذه الهجمات بعد شن الحركة الحوثية المدعومة من إيران هجمات عدة على سفن كانت تمر في البحر الأحمر بدعوى أنها مرتبطة بإسرائيل وذلك في سياق ما يعتبره الحوثيون دعما للفلسطينيين على وقع الحرب الدائرة حاليا في قطاع غزة بين حركة حماس وإسرائيل.
وجعلت هذه التطورات البحر الأحمر مسرحا لسلسلة من أهم التجاذبات العالمية ما قد يلقي بظلاله على السودان الذي يطل على هذا الممر الملاحي المهم بساحل يفوق طوله 1370 ميلا بحريا مما يجعله أحد أطول السواحل البحرية في العالم.
بالإضافة إلى ذلك يوجد عدد معتبر من الموانئ السودانية المهمة التي تطل على البحر الأحمر مثل ميناء بورتسودان الميناء الرئيسي في السودان بجانب ميناء سواكن وبشائر
ولذلك الولايات المتحدة وحلفاءها لن ينظروا بعين الرضا الى التحالف الجديد او اعادة استئناف العلاقات بين الخرطوم وطهران وذلك في ظل المعطيات الحالية في منطقة البحر الأحمر لان الأمريكيين يعتبرون أن إيران هي من تقوم بتوظيف جماعة الحوثي وحزب الله وحماس لإدارة مصالحها في المنطقة ولذلك من المتوقع أن واشنطن ستضغط على الحكومة السودانية التي تتخذ من مدينة بورتسودان الساحلية علي البحر الأحمر مقرا لها بعد اندلاع الحرب في الخرطوم لئلا تستمر في تحالفها مع الحكومة الإيرانية
وفي تقديري إذا لم يتراجع البرهان عن تحالفه مع ايران قد نشهد قصف جوي لمناطق داخل الاراضي السودانية كما حدث في عام 2012 عندما قصفت إسرائيل مصنع اليرموك في الخرطوم و قائلة إنه يُستخدم لتصنيع أسلحة يتم تهريبها إلى الفصائل الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة.