“بقينا ما ننوم بالليل كويس بالقلق على مصيرنا ومصير اسرنا من احتمالات تدهور العلاقات بين السودان والامارات للأسواء” يقول فتحي احمد، 42 سنة، مهندس ميكانيكي سوداني يعمل في الامارات منذ عشرة سنوات.
مثل فتحي، يتابع مئات الالاف من السودانيين العاملين بدولة الامارات العربية المتحدة وذويهم والمعتمدين عليهم في السودان وخارجه، بقلق بالغ ووجوم تدهور العلاقات الرسمية بين السودان ودولة الامارات العربية المتحدة هذه الايام. بالرغم من أجهزة الاعلام والصحفيين القريبين من الجيش كانوا يوجهون أصابع الاتهام لدولة الامارات بمساندة قوات الدعم السريع منذ بداية الحرب في ابريل الماضي إلا ان قيادة القوات المسلحة السودانية لم توجه هذه الاتهامات علنا لدولة الامارات إلا الاسبوع الماضي حيث خرج الفريق ياسر العطا مساعد القائد العام للجيش السوداني وعضو المجلس السيادي الانتقالي بتصريحات واتهامات شديدة اللهجة ضد دولة الامارات وصفها بعض المراقبين بالافتقار للياقة الدبلوماسية الضرورية في العلاقات الدولية.
لكن مصرفيا سودانيا، يعمل في الامارات، فضل حجب اسمه، يرى ان مخاوف أمثال مواطنه فتحي مضخمة ومبالغ فيها إلى حد كبير ويشير إلى أن سلطات الامارات قد بادرت بتقديم تسهيلات كبيرة للمقيمين والزوار السودانيين واعفتهم من غرامات التأخير وابتدعت “اقامة الطوارئ” للسماح للسودانيين بمواصلة الإقامة في الامارات في مايو الماضي بعد شهر واحد من نشوب الحرب في السودان كما قدمت مساعدات كبيرة للاجئين السودانيين في الجارة الغربية تشاد. ويستبعد محدثنا اقدام حكومة الامارات على اتخاذ اجراءات تضر بمئات الاف من السودانيين الذين يقيمون ويعملون فيها منذ عقود مهما تدهورت علاقاتها الرسمية بالحكومة السودانية.يعيش ويعمل في دولة الامارات العربية المتحدة حوالى 200 الف سوداني، اكثر من نصفهم من النساء والأطفال، يخشون أن ينعكس التدهور في العلاقات الرسمية بين البلدين على أوضاعهم بدءاً من التضييق عليهم بالإجراءات الإدارية والقانونية وصولا لكابوس الابعاد الجماعي للسودانيين من الامارات، الامر الذي سيؤثر على الملايين من افراد اسرهم واقربائهم الذي يعتمدون عليهم في السودان وخارجه خاصة في ظروف الحرب المريرة التي فرضت الهجرة والنزوح على الملايين وتركتهم بلا مصدر دخل إلا تحويلات المغتربين.
المنفذ الخارجي الأول للاقتصاد السوداني
ولن تقتصر النتائج الكارثية لتدهور العلاقات السودانية الامارتية على المغتربين السودان في الامارات فحسب، بل سيتعداه إلى ما هو افدح واكثر اذي على الاقتصاد السوداني برمته لأن الامارات العربية المتحدة هي الشريك التجاري الأول للسودان خلال العقدين الماضيين إذ تذهب اليها 45% من صادرات السودان ويأتي منها 31% من واردات السودان حسب إحصاءات عام 2022.
وقد تكرس اعتماد السودان على سوق الامارات في التصدير والاستيراد طوال اكثر من ثلاثة عقود من الحصار والعقوبات الدولية التي فرضت السودان في عهد الرئيس السابق البشير بسبب من الفظائع التي ارتكبت في حرب دارفور منذ عام 2003 ودعم الإرهاب وغيرها.
منذ ذلك الوقت اتخذت الحكومة ورجال الاعمال السودانيين دولة الامارات العربية المتحدة مركزا للتجارة الدولية للتغلب على عوائق العقوبات وسوقا للاستيراد وإعادة تصدير المنتجات السودانية خاصة الذهب والصمغ العربي والحبوب الزيتية واستيراد كافة ما يحتاجه السوق السوداني. وربما يصعب على السودان ان يجد منفذا أخرا قريبا ومرنا ومنخفض الرسوم والضرائب مثل الامارات، على الأقل في الوقت الراهن مما يعرض المئات من رجال الاعمال السودانيين لخسائر فادحة ويرفع أسعار السلع المستوردة في السودان.
كما أن الاستثمارات الامارتية الحكومية والخاصة، المباشرة وغير المباشرة في السودان ذات أهمية اقتصادية كبيرة غير انه من الصعب على الحديث عنها في زمن الحرب الذي شل معظم الأنشطة الاقتصادية والتجارية في البلاد.
ما العمل؟
كثيرا ما صرح قادة دول مجلس التعاون بأن أوضاع المهاجرين العاملين فيها لا تتأثر بعلاقتها السياسية بحكومات بلدانهم الاصلية لكن التاريخ القريب لا يدعم مثل هذه التأكيدات للأسف. فقد طرد مئات الالاف من الأجانب، خاصة العرب، من الكويت عقب تحريرها من الاحتلال العراقي عام 1991 تبعا لمواقف دولهم من الغزو العراقي. كما طرد ألاف اللبنانيين الشيعة من دول مجلس التعاون الخليجي بسبب مواقف حزب الله الموالية لإيران، وتعرض سوريون من الطائفة العلوية لمعاملة ممثلة بسبب الحرب الاهلية في سوريا وليس هنالك سبب يجعل السودانيين استثناءً.
هذا الوضع القلق للسودانيين في دولة الامارات العربية المتحدة يستدعى تحركا نشطا من القوى السياسية والمجتمعية السودانية للتواصل مع قادة الدولة وصناع الرأي في دولة الامارات العربية المتحدة للدفاع عن مصالح السودانيين وحمايتهم من تبعات الحرب التي لا شأن لهم بها في السودان، وتوضيح ان المواقف السياسية والدبلوماسية للمجلس السيادي برئاسة البرهان لا يمثلهم ولا ينبغي أن يدفعوا ثمنه.
دبنقا