السلام هو الطريق ٦ نوفمبر ٢٠٢٣ عمر الدقير

 

انفضاض الجولة الأخيرة من مفاوضات جدة دون اتفاق على وقف إطلاق النار – كما كان يأمل معظم السودانيين – ليس مدعاةً للبكائيات وارتفاع منسوب الاحباط بقدر ما هو مدعاةٌ للقلق الإنساني تجاه الذين يقاسون ويلات الحرب في داخل السودان وفي مواقع النزوح واللجوء والشتات، والقلق على مصير الوطن .. ولكن لا معنى لهذا القلق إن لم يصاحبه إصرارٌ جماعي على تحقيق السلام باعتباره الخيار الوحيد، أو كما قال المهاتما غاندي: “ليس هناك طريق للسلام،فالسلام هو الطريق”.

يصحُّ القول بأن المجتمع السوداني انحرف عن طريق السلام “بمعناه الشامل” منذ قبل وقوع الحرب الحالية، حين دخل في حالة غير مسبوقة من الانقسام في فضائه السياسي والتنافر المجتمعي العنيف في بعض أجزائه، إضافةً للتخريب وعمليات الشد العكسي من قوى النظام المباد المتغلغلة في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، حتى وصلت الأمور إلى ما هي عليه الآن حيث أصبحت وسيلة الحوار هي الذخيرة – سواءاً كانت ذخيرة حية حارقة تخرج من فوهات البنادق أو ذخيرة كلامية مدمرة تخرج من أفواه الناس – رغم دروس التاريخ المريرة التي تفيد بأن هذه الحالة، و نُذُر الانهيار الكامل التي تصاحبها، تحدث عندما تسود مزاعم احتكار الموقف الصحيح ويعتقد كل طرف أنه على حق ومَنْ سِواهُ على باطل، دون أن تُغْني النُذُر وتدفع لمراجعة نقدية صادقة وشجاعة للمواقف؟!

اللحظة الآن كارثية ولحظة مسؤولية وطنية، بذات القدر، توجب على كل الأطراف أن تُسْقِط أية أهداف آنية صغرى – فردية كانت أو حزبية أو فئوية أو جهوية – لصالح هدف أساسي ملح، يمثل مصلحة مشتركة عامة، هو الحيلولة دون استمرار الحرب الحالية لأن ذلك يعني، بجانب تفاقم الكارثة الانسانية وزيادة وتيرة التدمير، أن يتحول خطر الحرب الأهلية والتدخلات الأجنبية المباشرة والتقسيم إلى واقع، خصوصاً أن خيوط هذا الخطر الوجودي بائنة بوضوح في نسيج الحرب الحالية ونتيجته هي الانهيار الكامل للوطن وحينها سيدفع الجميع ثمناً أكثر فداحةً، بمن في ذلك دعاة استمرار الحرب، لأن الجميع سيكونون أشبه بخرافٍ – من مختلف الألوان ودرجات الثغاء – تشتبك على العُشْب وهي تنتظر دورها في الطابور أمام المسلخ !!

لسنا في وراد التقليل من فظاعة الانتهاكات التي طالت الأفراد والجماعات أو التنازل عن التمسك بضرورة التحقيق فيها والمحاسبة عليها، وإنما التأكيد على ذلك .. لكنّ تحقيق مطلب إبعاد الوطن عن شفا حفرة الانهيار الكامل وصد التهديد الوجودي عنه ورفع المعاناة الانسانية عن شعبه ومنع الانتهاكات والمحاسَبة عليها، يبدأ بالوصول إلى محطة وقف إطلاق النار لصيانة حق السودانيين المقدس في الحياة والكرامة الانسانية والأمن والخدمات الأساسية وعودتهم إلى منازلهم وأعمالهم ومدارسهم، ومن ثَمّ ابتدار مسار سياسي سلمي جامع يؤسس لواقع وطني جديد مُحَرّرٍ من خطايا الماضي وخيباته وظلاماته وكلِّ ما كان مَشْكُوّاً منه.

لا تزال الجهود الدولية والإقليمية مَرْجُوّةٌ لتيسير اتفاق لوقف إطلاق النار ومعالجة الكارثة الإنسانية، وإذا ما تمت الدعوة لجولة تفاوض جديدة في منبر جدة فإننا نعتقد أن الأوان قد آن لرفع مستوى التمثيل التفاوضي من الجانبين وأن تكون المواقف التفاوضية مبذولة أمام الشعب .. ومع شكرنا وتقديرنا لكل الجهود الدولية والإقليمية الرامية لوقف الحرب، يبقى التعويل الأساسي على إرادة السودانيين والسودانيات وتوحدهم لنزع المشروعية عن الحرب وهزيمة خطاب قارعي طبولها ونافخي كيرها والانتصار للوطن ومصالحه، التي عَبّرت عنها ثورة ديسمبر المجيدة، وللوعي بالتاريخ والمستقبل.

مقالات ذات صلة