إذا كان هناك شيء يصلح شعاراً في هذه المرحلة من مراحل الحرب على السودان، فهذا الشيء هو “التطهير واجب وطني”، على فكرة هذا الشعار قبل أن يتحدث حول مضمونه الجنرال “ياسر العطا”، رفعته أحزاب ثورة أبريل ١٩٨٥ م، في مواجهة عناصر نظام الجنرال “نميري”، هي ذات الأحزاب التي أعلنت النيابة العامة اليوم أسماء بعض من قياداتها مطلوبين لدى العدالة برفقة آخرين.
ففي مرحلة مبكرة من مراحل الحرب، شاع الحديث عن ضرورة “البحث عن بدائل”، بدائل للنادي السياسي القديم الذي تفرق دمه بين عملاء وآخرين عاجزين عن فعل شيء،. عندما تحدث الشعب علنا عن هذا، كانت “قوى الحرية والتغيير_المجلس المركزي” تستعرض مع نفسها ومع غيرها من الأطراف المعنية صوراً متنوعة لقدرتها على تمريغ أنف الجيش في الوحل، وإرغامه على إيقاف الحرب ومصالحة “الدعم السريع” عبر الضغوط الدولية، والتهديد بسلاح العقوبات، ولكنها لم تكن تريد أن تفهم أن كل صيغة غير سودانية لما اصطلحت على تسميته فيما بعد بأنه “الجبهة المدنية_تقدم” هي صيغة محكوم عليها بالفشل مسبقاً.
وعلى مدى ما يقرب من خمسة أعوام هي عمر النظام الذي نتج عن حراك ديسمبر حتى الآن وفي خضم الحرب، حولت قوى الحرية والتغيير المشهد السياسي السوداني إلى ما يشبه حقل التجارب للبدائل المقترحة. ومن الواضح أن كل بديل غير سوداني كان يذهب إلى طريق مسدود، فكانت سرعان ما تعود عنه لتنخرط في البحث عن بديل آخر. ولم تكن النتيجة في كل مرة مختلفة عن سابقتها؛ لأن القاعدة التي تقول إنك لا يمكن أن تفعل الشيء نفسه للمرة الثانية ثم تتوقع نتيجة مختلفة، هي قاعدة لا تزال صحيحة.
إن طبائع الأمور تقول إن الصراع الذي أنتج الحرب، له أسبابه التي أخرجته إلى النور، وما لم نتعامل مع هذه الأسباب نفسها، فليس أمامنا سوى أن ننتظر طوفاناً آخراً، ولكن بثياب مختلفة طبعا؛ لأن التاريخ لا يكرر نفسه بالطريقة ذاتها أو بالشكل ذاته، واهم هذه الأسباب هي اختراق النادي السياسي السوداني مخابراتياً من قبل الدول التي تسعى لاحتلال السودان عبر وكلاء محليين.
في الوقت الذي عقد فيه قادة “تقدم” الآمال العراض على تصريحات “كباشي” واعتبروها غزلاً ربما ينتهي إلى شهر عسل مدني_عسكري جديد في اليوم التالي، إلا أن بإعلانهم مطلوبين لدى العدالة بالسودان، بتهمة المشاركة في جرائم الحرب والتحالف مع العدو، تأكدوا أن “اليوم التالي” الذي ينتظرونه لن يأتي.
أوامر النيابة العامة بالقبض على قادة “تقدم” خير دليل على أن الأيام التالية التي تنتظرها لن تكون إلا سودانية دماً و لحماً ، اذاً عليها أن تستدير من جديد وتفتش عن بديل غير الذي قادها إلى هذا المآل، وغالب ظني أنها في المرة القادمة، ثم في كل مرة تالية، تجد نفسها من جديد أمام ما هربت منه ابتداء عند الخطوة الأولى!
محبتي واحترامي
…
https://www.facebook.com/share/p/yXUTmEWXdQ2cmgW3/?mibextid=Nif5oz