القاهرة: سودان 4نيوز
قامت مجموعة الخبرة المعنية بالعدالة الانتقالية والسلام في السودان، التي تضم خبراء سودانيين ودوليين في مجال العدالة الانتقالية والسلام، بتقديم ملاحظات حول توصيات ورشة (تقدم) التي عقدت في أوغندا مارس الماضي.
وتأسست مجموعة الخبرة، عبر مؤسسة فريدريش إيبرت والمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، بالتنسيق مع “انصاف” للعدالة الانتقالية بمركز الناس للعون القانوني.
(سودان 4نيوز ) تحصلت على النص الكامل، لملاحظات الخبراء، وتنشره في المساحة التالية:
النقاش الحر
نحن مجموعة الخبرة المعنية بالعدالة الانتقالية والسلام في السودان، نتشرف بإرسال تعليقاتنا حول بعض توصيات ورشة العدالة والعدالة الانتقالية، التي انعقدت في الفترة من 3-7 مارس 2024 في عنتيبي، أوغندا.
نود في البدء أن نثمن الجهود الكبيرة التي بذلتها تنسيقية القوى الديمقراطية (تقدم) فيما يخص ملف العدالة والعدالة الانتقالية. إن جهودكم القيمة تعكس التزامكم العميق بتحقيق العدالة والانتقال السلمي في السودان. ونتطلع إلى حوار بناء ومثمر حول هذه القضايا المهمة، ونعبر عن أملنا في أن تكون تعليقاتنا مفيدة في إثراء النقاشات والمداولات القادمة.
تأتي هذه التعليقات بالتوازي مع انعقاد المؤتمر التأسيسي لتنسيقية القوى الديمقراطية (تقدم)، ونسعى من خلالها إلى التفاكر والنقاش حول موضوعات العدالة الانتقالية وأصحاب المصلحة. نحن على يقين أن هذا هو هدفنا المشترك، وأن المصلحة العامة تقتضي تبادل الأفكار والتعاون لتحقيق العدالة وبناء السلام الدائم في السودان.
أولا:
التوصيات المتعلقة بمجال التشريعات:
مراجعة قانون مفوضية العدالة الانتقالية لعام 2021 وفق المبادئ الاتية: (ب) يجب تطبيق آليات العفو والمصالحة المستمدة من الأعراف السودانية وفق شروط محددة وصارمة لا تهدر الحقوق.
ما المقصود بآليات العفو والمصالحة المستمدة من الاعراف السودانية؟ هل المقصود جلسات الصلح او الراكوبة أو حتى المحاكم الاهلية او العرفية كمؤسسات؟ ام المقصود العرف الذي تطبقه تلك المحاكم التي اشرنا اليها بالاضافة الى المحاكم الجنائية والمدنية العادية كمصدر للتشريع؟
فاذا كان المقصود المحاكم الاهلية او العرفية فأن اختصاصها لا يشمل كل تلك الانتهاكات التي حدثت؛ كما انها لا تغطي مناطق السودان الجغرافية اذا تنحصر في ولايات معينة من ولايات السودان مثل دارفور وكردفان وشرق السودان ؛ وغالبا ما تنشط في المناطق الريفية والقُرى أكثر من المدن؛ وان قضاتها يجمعون بين السلطات القضائية والتنفيذية كإدارات أهلية؛ الأمر الذي يثير التساؤلات حول حيادها واستقلالها. ومن بين أوجه القصور الاخرى، أن هذه الأليات، التي تعتمد على مؤتمرات المصالحة القبلية ودفع “الدية”، لا توفر بشكل كاٍف مشاركة الضحايا. في إطار العدالة االانتقالية المتكامل، والتي ينبغي التركيز فيها على الضحايا وإدماجهم في جميع عمليات العدالة االانتقالية.
وبالرغم من المزايا الكبيرة للعدالة التصالحية القائمة على العرف والتقاليد القبلية والدور الذي يمكن أن تلعبه في سياق العدالة الانتقالية في دارفور أو في باقي أجزاء السودان. فمن وجهة نظرنا أن نظام الدية الذي تعتمد عليه تلك الاعراف لا يحقق الردع العام للاشخاص الاخرين من ارتكاب جريمة القتل؛ او حتى الردع الخاص للقاتل نفسه من تكراره ارتكاب جريمة القتل مرة اخرى؛ نتيجة انتشار السلاح ونتيجة للموارد المالية لعائدات الذهب ونتيجة للإجراءات التي تدفع بها الدية التي لا تهتم بالاعتراف وتحمل مسئولية الخطأ بشكل فردي والوعد بعدم التكرار بالاضافة إلى النسبة المئوية التي يحصل عليها المسهلون لاجراءات الصلح في الادارات االاهلية التي تتعارض مصالحها مع مصلحة الضحية في حال رفضه للدية. ولذلك المئات من الديات دُفِعت في دارفور في كثير من مبادرات الصلح تلك. لكنها لم توقف العنف. لكل ما تقدم من الصعوبة بمكان أن نصف ما حدث انه يمكن ان يرقى لمنهج عدالة انتقالية ما لم نثبت ان كل الضحايا قد عفوا حقيقة وليس مجازا بعد ان يعرفوا لماذا فعل فيهم المتهم ذلك؟ وكيف فعل ذلك؟ وبأمر من فعل ذلك؟ تلك االاسئلة التي يبحث الضحايا عن إجابات لها… ومن غير ان يتعرضوا لمثقال ذرة من اغراء او اكراه. وحتي يثبت المتهم ندمه على ما فعله والاعتذار للضحايا وطلبه للعفو والسماح.
اما اذا كان المقصود العرف كمصدر للتشريع للمحاكم التي اشرنا اليها بالاضافة إلى المحاكم الجنائية والمدنية العادية حتى تطبق العفو والمصالحة، فمن المعلوم ان التشريع أو القانون هو المصدر الاساسي لهذه المحاكم وان العرف مصدر ثانوي يتم اللجوء اليه في ظروف معينة؛ وفي حالة تعارض العرف والقانون يسود القانون كما هو معلوم.
وحيث ان القانون السوداني يعطي رأس الدولة وحده حق إصدار عفو عام عن افعال وقعت خلال الحرب الأهلية فيما يتعلق بحق الدولة مثل التمرد او العصيان او الاضرار بمنشأت عامة ، لكن نفس القانون القائم علي الشريعة الاسلامية لا يعطي رأس الدولة أو اي كائن بشري على وجه البسيطة ان يعفو عن حق خاص مثل القتل والتعذيب والاغتصاب؛ بل يعطي حق لأصحاب تلك الحقوق الخاصة المطالبة بالقصاص (… فَقَدۡ جَعَلۡنَا لِوَلِیِّهِ سُلۡطَانࣰا…) إذن العرف لا يستطيع حتى وان أراد إرغام الضحايا على العفو.
أما على مستوى القوانين الدولية (القانون الدولي لحقوق الإنسان -القانون الدولي الإنساني): بينما يشّجع القانون الدولي الإنساني السلطات على منح العفو الشامل على أوسع نطاق ممكن للأشخاص الذين شاركوا بنزاع مسلّح لدى انتهاء الأعمال العدائية، فإن هذا لا ينطبق على ارتكاب جرائم الحرب. وبالمثل، من منظور القانون الدولي لحقوق الإنسان، لا يُسمح بالعفو إذا كان يمنع مقاضاة الأفراد الذين قد يكونون مسؤولين جنائياً عن الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية أو الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الانتهاكات الخاصة بالنوع الاجتماعي؛ أو يتدخّل في حق الضحايا في الانتصاف الفعّال، بما في ذلك التعويضات؛ أو يقيّد حق الضحايا والمجتمعات في معرفة الحقيقة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني. كذلك، يُمنع وسطاء الأمم المتحدة من إقرار “اتفاقيات السلام التي تنص على العفو إزاء الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب أو الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك العنف الجنسي والجنساني”.
اعتبار العفو كجزء من تشريعات العدالة الانتقالية، وخاصة فيما يتعلق بالجرائم التي ارتُكبت منذ نظام البشير، مع التركيز على الإخفاء القسري. يجب تسليط الضوء على مصادقة السودان مؤخرًا على العهد الدولي لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري في عام 2021، التي تحظر صراحة العفو عن مرتكبي مثل هذه الجرائم. تُعتبر هذه الاتفاقية أول أداة قانونية ملزمة عالميًا بشأن الإختفاء القسري وتضع معيارًا هامًا في القانون الدولي لحقوق الإنسان. من المهم النظر الى انه على الرغم من أن المعاهدة لا تنص صراحة على أي شيء يتعلق بالعفو، إلا أن أحكامها تستند إلى إعلان عام 1992 بشأن الاختفاء القسري الذي يحظر بوضوح توسيع نطاق قوانين العفو، حيثما توجد مثل هذه القوانين، لتشمل الأشخاص الذين ارتكبوا أو يُزعم أنهم ارتكبوا عمليات اختفاء قسري، ولن يستفيدوا من ذلك. قوانين العفو تتضمن الإعلان بشأن الاختفاء القسري وأدى ذلك إلى تطوير القانون الدولي حول الاختفاء القسري. وتستند أحكام الاتفاقية الدولية إلى محتويات هذا الإعلان.
ولا تترك المادة 18 من الإعلان بشأن الاختفاء القسري أي مجال للتفسير، وهي واضحة للغاية فيما يتعلق بالعفو، حيث تنص على أن الأشخاص الذين ارتكبوا أو يُزعم أنهم ارتكبوا حالات اختفاء قسري لن يستفيدوا من أي قانون عفو قد يؤدي إلى إعفاءهم من أي إجراءات جنائية أو عقوبة. بعد اعتماد الإعلان، تم تشكيل فريق عمل لمساعدة الدول الأطراف في التغلب على العقبات التي تعترض تنفيذه، ورصد التقدم الذي تحرزه الدول في تنفيذ الإعلان، ولفت انتباه المنظمات غير الحكومية والحكومات وأسر الأشخاص المختفين قسريًا إلى أحكام محددة للتغلب على العقبات التي تعترض تنفيذ أحكامه. بعد سنوات قليلة من صدور الإعلان، ورد في التعليقات العامة حول المادة 18، إن قوانين العفو يجب اعتبارها “متعارضة مع أحكام الإعلان”، إذا كانت تمنع أو تعيق التحقيق ومعاقبة المسؤولين عن حالات الاختفاء.
في عام 2022، أصدر الفريق العامل تقريرًا عن الدروس المستفادة والتوصيات التي كرر فيها حظر تطبيق قوانين العفو على مرتكبي جرائم الاختفاء القسري – وفي حالة وجود مثل هذه التدابير أو وضعها – لاعتبارها لاغية أو باطلة – أو خالية من الآثار القانونية.
وفي اجتماع عقد في سبتمبر 2022، قال الفريق العامل إنه تلقى معلومات بشأن الانتهاكات والعقبات المزعومة في تنفيذ الإعلان في السودان وطلب من حكومة السودان تقديم معلومات عن التدابير التي تتخذها السلطات السودانية، بما في ذلك القيادة العسكرية، لتنفيذ الإعلان في السودان وإجراء التحقيقات وفقاً للمعايير الدولية والعديد من الأسئلة الأخرى الموجهة إلى السلطات السودانية.
إذن، ماذا يعني أن يتبنى السودان العفو باعتباره آلية للعدالة الانتقالية يمتد ليشمل المتورطين في إدامة حالات الاختفاء القسري؟ من المحتمل أن يفشل السودان في الوفاء بالتزاماته بموجب المعاهدة والتزاماته بموجب المعاهدة الدولية بشأن الاختفاء القسري، إن تطبيق قانون العفو كجزء من العدالة الانتقالية على المتورطين في حالات الاختفاء سيكون غير متوافق مع الالتزامات الدولية للدولة السودانية بموجب القانون الدولي. سيؤثر ذلك على إقامة دولة ديمقراطية؟ ومن المثير للإشكال بشكل خاص هو أن تتبنى حكومة مقبلة قوانين عفو لأن القانون المحلي السوداني لا يجرم صراحة الاختفاء القسري باعتباره جرائم مستقلة. إذا كانت هناك أي توصية ملموسة لتقدم، فستكون التواصل مع مجموعة العمل وطلب تعاونهم الفني ومساعدتهم في صياغة عمليات وسياسات العدالة الانتقالية بدلاً من التشريعات – نظرًا لعدم وجود هيئة تشريعية حتى الآن – المتوافقة بهذه المعاهدة الدولية. وهذا جزء من ولاية الفريق العامل.
خلاصة ما نرى في هذه الجزئية؛ يجب على (تقدم) ان تقدم رؤية اكثر وضوحاً وجرأة وشجاعة عندما تطرح موضوع العفو؛ وتقدم اجابات واضحة ومحددة لاسئلة العفو مثل لمن نقدم العفو؟ ولماذا نعفي؟ وكيف نعفي؟، بدلا من الاكتفاء “بآليات العفو والمصالحة المستمدة من الأعراف السودانية”، وعبارة “وفق شروط محددة وصارمة لا تهدر الحقوق” لا تغير من الأمر شيئاً لان العرف في النهاية لا يتجاوز القانون الوطني أو القانوني الدولي. يضاف إلى ذلك لا توجد فيه أي شروط تضمن تحقيقات نزيهة أو إقامة دعاوى جدية.
تحديد الفئات التي تستحق العفو؛ وإعطاء الضحايا الحق في الاستئناف ضد اي قرار عفو لمتهم ما… الخ مثل هذا القانون له قيمة اضافية للحقيقة والعدالة لصالح الضحايا.
ثانيا:
التوصية الأولى: التأمين على إعلان المبادئ الصادر عن المؤتمر القومي للعدالة الانتقالية الذي انعقد في الخرطوم في 16 مارس 2023م.
ما بين مارس 2023 و مارس 2024 جرت مياه كثيرة تحت الجسر وتضاعفت الانتهاكات مئات المرات وظهرت جرائم جديدة وظهر ضحايا وجلادين جدد بسبب الحرب التي لم تتجاوز الاعلان فحسب بل تجاوزت الاتفاق الاطاري نفسه.
تحفظنا السابق على إعلان مارس 23 يقوم على ان قيمة العدالة الانتقالية تكمن في مشاركة الناس من خارج هياكل السلطة السياسية والمقصود من خارج تلك الهياكل (مشاركة الضحايا وغيرهم من الطبقات المهمشة) في تحقيق أفضل السبل لتحقيق العدالة الانتقالية. لكن كلنا نعلم ان انطلاق ورش العدالة في مارس23 تم في ظل غياب للعديد من المجموعات التي تُمثل أصحاب المصلحة، الشاهد ذلك من خلال البيانات التي صدرت من قبل اسر الشهداء والنازحين والمهمشين بمقاطعة تلك الورش، وغيرها من البيانات الأخرى الرافضة لذلك، يضاف إلى اصحاب المصلحة معارضة بعض الأحزاب السياسية وبعض لجان المقاومة وبعض الشخصيات المستقلة من جانب؛ ومن جانب اخر معارضة المؤتمر الوطني وكل الاحزاب المتحالفة معه إلى معارضة الاتفاق الإطاري باكمله.
التأمين على مبادئ مؤتمر العدالة الانتقالية الذي انعقد في الخرطوم مارس 2023 يغلق الباب دون مشاركة كثير من الجهات مع تقدم في اي عملية او مبادرة عدالة انتقالية قادمة؛ ويوسع الهوة بين تلك الجهات وبين تقدم.
ثالثا:
التوصية الثالثة: اعتبار واعتماد العدالة الانتقالية آلية من آليات الاستقرار السياسي تساهم بفعالية في وقف الحرب وفي مراحل صناعة وبناء واستدامة السلام.
بالرغم من أهمية وجود هذه التوصية الا انها مبهمة وافتقرت للضبط والتحديد مما سيفتح الباب للتأويلات والتفسيرات المختلفة. غابت قضية المساءلة بشكل مخيب للآمال عن الكثير من المناقشات حول عملية مستقبل السلام في السودان. لذلك كنا نأمل ان نرى توصية محددة جدا تعتمد التزام مبدئي واضح بالمساءلة في المراحل المبكرة من المناقشات في اي عملية سلام. إذ يمكن ذكر المساءلة واحترام حقوق الإنسان، على سبيل المثال، على أنها من بين المبادئ الأساسية التي يجب أخذها في الاعتبار في اتفاقية مثل وثيقة “المبادئ الأساسية” أو “الاتفاق الإطاري” السابقين أو المصاحبين لمحادثات السلام.
على المستوي الدولي هناك سوابق في عمليات أخرى قد تكون مفيدة. في نيبال، على سبيل المثال، تم تضمين الالتزام بالتحقيق في الانتهاكات واتخاذ الإجراءات كجزء من اتفاقية الاثني عشرة بند (لعام 2005) التي سبقت اتفاق السلام الشامل (لعام 2006) وساعدت في تشكيله. تنص المادة 7.1.3 من اتفاقية السلام الشامل (نيبال) لعام 2006 على سبيل المثال على ما يلي: “يعرب الطرفان عن التزامهما بإجراء تحقيق غير متحيّز واتخاذ اجراءات وفقًا للقانون ضد الأشخاص المسؤولين عن إعاقة ممارسة الحقوق المنصوص عليها في رسالة الاتفاق وضمان عدم التسامح مع الإفلات من العقاب.
وسيتطلب شكل أي نهج متكامل للعدالة الانتقالية بالضرورة دراسة ومداولات أكثر تفصيلاً بعد أي اتفاق سلام. ومع ذلك، فإن إدراج التزام مناسب من حيث المبدأ سيكون ذو فائدة واضحة، لأن الطريقة التي يتم بها التعامل مع المساءلة والإفلات من العقاب في أي اتفاق سلام “ستحدد في الغالب شروط النقاش وتشكّل الآليات التي تلي ذلك.
رابعا:
التوصية الخامسة: تحديد النطاق الزمني للمساءلة عن انتهاكات حقوق الانسان والجرائم المرتكبة التي حدثت في السودان منذ العام 1956م وتحديد النطاق المكاني للمناطق والاقاليم التي تعرضت للانتهاكات والتي امتدت إليها الحرب وكافة المناطق التي تأثرت بها.
نرى أنه دون انكار لحق كل ضحية لاي جريمة وفي اي مكان في السودان؛ نقول ان هناك علاقة عكسية بين توسيع نطاق العدالة الانتقالية الزمني والمكاني وموضاعاتها وبين تحقيق اهدافها بشكل فعال وعملي.
بكلمات أخرى كل ما امتد النطاق الزمني للعدالة الانتقالية الى عشرات السنين 1956 مثلا؛ او امتد النطاق الجغرافي إلى كل كيلومتر مربع في السودان وامتدت الانتهاكات سيصعب تلقائياً اذا لم يصبح مستحيلاً تطبيق بعض ركائز العدالة الانتقالية مثل التحقيق او المحاكمة او التعويض وجبر الضرر لاسباب عملية بحتة. كما يضع عبء اضافي من الوقت والموارد على القائمين بتنفيذ عمليات العدالة في الانتهاكات الحديثة ما بعد حرب ابريل 2013. والأمر المثير للدهشة ان هذه الصعوبات العملية كانت في اذهان المشاركين انفسهم في اعلان كمبالا عندما اشاروا إلى مجالس المحاسبة والمساءلة الفقرة(3) وتشكيل لجان مستقلة لتقصى الحقائق على النطاق الوطني والدولي للتحقيق في انتهاكات حقوق الانسان والقانون الدولي الإنساني التي ارتكبت منذ يونيو 1989 والتي نتجت عن حرب 15 أبريل.
العودة إلى عام 1956 تتعارض مع سمة أساسية من سمات العدالة الانتقالية وهي الواقعية؛ الأمر الذي يدفع بالضحايا الجدد باليأس من تحقيقها بسبب (تفريق دم العدالة الانتقالية بين القبائل).
خامسًا:
التوصية السادسة: التوافق على ميثاق شرف من أجل تحقيق العدالة الانتقالية تتفق عليه المؤسسات الرسمية والمكونات المدنية والأحزاب السياسية وحركات الكفاح المسلح والنازحين واللاجئين.
التوافق على ميثاق شرف لا تعدو ان تكون مجرد عبارة انشائية تثير عواطف الذين يحلمون بتحقيق عدالة انتقالية. ميثاق الشرف في حقيقته مدونة سلوك لمجموعة من الافراد والفئات مثل ميثاق شرف العمل الصحفي يثاب فاعله ويلام تاركه اي ليس من طبيعته الالزام أو الاجبار. لكن العدالة الانتقالية كمستحقات قانونية طبيعتها الالتزام. يضاف إلى ذلك ان الأطراف التي تتوافق على هذه الميثاق تضم المؤسسات الرسمية اي الجيش والدعم السريع؛ وهذه المؤسسات بحكم طبيعتها تحكمها قوانين وليست مواثيق شرف.
أضافت التوصية إلى اطراف ميثاق الشرف المكونات المدنية والأحزاب السياسية وحركات الكفاح المسلح والنازحين واللاجئين؛ لكن بكل اسف لم يشمل الميثاق ضحايا الانتهاكات كطرف أصيل على وجه التحديد. لذلك نآمل حذف ميثاق الشرف هذا وابداله بقانون حيث تقرأ التوصية: التوافق على مسودة قانون للعدالة الانتقالية تتفق عليه المؤسسات الرسمية والمكونات المدنية والأحزاب السياسية وحركات الكفاح المسلح والنازحين واللاجئين. ونآمل أيضاً إضافة ضحايا الانتهاكات في اخر التوصية.
* مجموعة الخبرة المعنية بالعدالة الانتقالية والسلام في السودان كُتب بواسطة: (أ. رفعت مكاوي، د. آمال حمدان، أ. لينة مروان).
مايو 2024م