لبساطته وقلة حيلته، فحميدتي أفضل من ينطبق عليه المثل السوداني: “خشمه ما ببل الفولة”. وحميدتي أول من فضح وأحرج د. عبد الله حمدوك بواقعة علم الأخير بكل ترتيبات انقلاب البرهان – حميدتي. من الشواهد التي تؤيد الرواية أن حمدوك عاد ووقع اتفاق 21 نوفمبر مع البرهان – حميدتي، وعندما رفض الشارع الخطوة لم يجد حمدوك من بد غير أن يدفع باستقالته. بهذا التصرف، وحتى إن لم يكن حمدوك متواطئاً، فهو أول من شرعن للانقلاب وبصورة ساذجة وأحادية، ودون أن يرجع لمن فوضوه. حمدوك كان بوسعه أن يعيد للثورة عنفوانها لو كان في أول ظهوره أعلن بأنه كان معتقلاً ضمن عملية انقلابية. للتاريخ، وحتى بخطابه المبذول لم يسند حمدوك استقالته للانقلاب وإنما لصراعات القوة السياسية وتشاكسها.
بالعودة لتصريح الصديق المهدي وخالد سلك مقروءاً مع ما أدلى به أسامة سعيد لقناة الجزيرة بأنهم لم يعترفوا بشرعية الانقلاب، فالزعم يكذبه سلوك مركزي الحرية والتغيير (قحت) والذي كان أول من بدأ مفاوضات سرية مع الانقلابيين وذلك بتنسيق مولي في مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية. ظهور المسؤولة الأمريكية ببيت السفير السعودي بُعيد الانقلاب وتيسييرها للمحادثات لقحت مع الانقلابيين خطوة لا يجوز أن تقرأ بمعزل عن مغادرة المبعوث الأمريكي للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان للخرطوم قبل سويعات من الانقلاب. بعبارة أخرى، البرهان- حميدتي – حمدوك ما كانوا ليقدموا على الانقلاب لولا حصولهم على مباركة يد طولى وحريصة على وجود قيادة لا تشق عصا الطاعة.
مفاوضات قحت والانقلابيين التي بدات سرية ثم تبلورت وأنتجت الاتفاق الإطاري وتوقيعه بواسطة الموالين والمؤلفة قلوبهم بتمثيل دولي وإقليمي رفيعين يعتبر، بنظر القانون الدولي والمحلي، اعترافاً فعلياً ورسمياً بواسطة كل الموقعين. بالمقال السابق كنت قد أشرت إلى أن أعضاء المجلس العام لمبادرة كلنا معاكم ممن اجتمعوا بقيادات قحت حرصوا على توصيل عدة رسائل أهمها أن الانتقال فترة هشة ولا يجوز احتكارها لحزب أو تحالف أحزاب بمعزل عن بقية القوى السياسية، والأضمن لعبورها، أن تقوده كفاءات وطنية غير منتمية حزبياً. في ذات الوقت للأحزاب أن ترعى وتراقب الأداء وتحميه من أي قوى معادية للثورة. بكل أسف، وخلال اللقاء أبدت قيادات قحت رفضها لوجهة النظر، وخرجوا مصرين على السيطرة على موقفهم بذات الطريقة التي أظهرها الاتفاق الإطاري. حتى بعد اندلاع الحرب كان وما زال التمسك بذات الموقف، كما سنرى، ونواصل.
عبد العظيم حسن
المحامي الخرطوم
24 يونيو 2024