في السودان اليوم، الفرضيات كثيرة والتوقعات أكثر… والمُعطيات غريبة؛ لكن ما تفرزه على الأرض أكثر غرابة.
و السودانيون ، الذين يئنون تحت وطأة أزماتهم الاقتصادية والمعيشية، عيونهم وقلوبهم على ما يستجد على جبهة “الحرب “، وما الذي تخبئه لهم “ترسانة ” المستقبل المجهول .
وبين حراك دولي آتٍ، وآخر يحزم حقائب العودة والإحباط على وقع اللا حلول، يتفاقم الوضع فيما بات عملياً السودان ” بلداً محتلاً” .. ساسته وموظفين الدولة ضيوف ثقال عليه، وقراره خارج أراضيه.
أمام خلفية عدوان مليشيا الدعم السريع المدعومة من “الامارات” التهجيري و الاحتلالي، و معارك وسط السكان تديرها فعلياً “قوتان” بائنة وأخرى خلف الكواليس ، يعيش الشعب تحت وطأة عدوان آخر، موجعاً أكثر، لأنه يمثل الخذلان الأليم ، خذلان من ائتمنوهم على حيواتهم، ومنحوهم الثقة ، ظناً بأن الحرب قد وحدت الوجدان السوداني ورفعت الأنا الوطنية .
في المقابل، وعلى الرغم من الخطابات الحماسية ، ولدت حالة لافتة من “الفساد السلطوي “، وكانت “الأولويات المشتركة” بين معسكر الفاسدين ،وهي انتهاز فرصة النزوح ، التشرد والتوهان ، لجمع ثروات من المال العام.
ذكرنا في الحلقة الأولى من سلسلة مقالاتنا هذه، أن أسباب انهيار الاقتصاد نتيجة لتدهور قيمة العملة الوطنية يعود إلى ثلاثة قضايا، مافيا الوقود التي احتكرت استيراده ، وكانت تسدد قيمة البواخر من السوق الاسود ، بجانب احتجاز (٩٠٠) ترليون جنيه في البنك المركزي الاماراتي ، أما الطرف الثالث المسؤول عن تخريب الاقتصاد الوطني هو “هيئة الجمارك السودانية ” .
خلال الأشهر الأولى من اندلاع الحرب ، أصدر وزارة التجارة السودانية قائمة بالسلع الاستراتيجية والضرورية ، و سلمتها لعدة جهات معنية للتقيد بها ، وعدم السماح لأي سلعة خارج القائمة بدخول البلاد، ولكن هيئة الجمارك خالفت الأمر الوزاري، وولغت في جرائم فساد بشعة ، تسببت في انهيار العملة الوطنية .
كانت “الجمارك” تعقد التسويات مع مئات الشاحنات التي تدخل عبر المعابر المختلفة ، وتحمل بضائع محظورة،و تتم الإجراءات خارج النظام المصرفي وبدون استمارات استيراد بنكية ، وبتمويل كامل من السوق السوداء .
واعتمدت نظام الطبالي ، وما عرف بالبضائع الشخصية، مما تسبب في انهيار الجنيه السوداني ، وبالتالي انهيار الاقتصاد الكلي .
تمت مناقشة القضية في اجتماع ضم أعضاء من مجلس السيادة الانتقالي ، وزارة المالية ، وزارة التجارة وبنك السودان ، وتم توجيه سؤال مباشر لوزير المالية مفاده:” هل تتحصل وزارة المالية قيمة هذه التسويات؟” ، و بدوره اكد أن وزارته لم تتسلم “فلساً واحداً ” من قيمة هذه التسويات.
للأمانة ، وبعد أن تحصلت على هذه المعلومات من الجهات المختصة، عملت على التحقيق في أداء مدير هيئة الجمارك الحالي “صلاح احمد ابراهيم ” ، لأن سابقيه كانوا ضالعين في جرائم فساد ، وجدت سيرته نظيفة ، مشهود له بالنزاهة ، ولكن للأسف هو اداري ضعيف ، لا يستطيع مواجهة “غول” الفساد الذي يسيطر على مؤسسته .
مما لا شك فيه أن الحرب خلقت واقعاً جديداً كانت له تداعياته على كل شئ ، كذلك ثمة تداعيات لتنامي شبكات الفساد داخل أجهزة الدولة الحساسة ، وتمدّد طموح الكثيرين ، وأيضاً تسارع الهروب من أداء الواجب .
في هذا المناخ، وجدت شبكات الفساد المحمية بالسلطة الفرصة المناسبة لنهب المال العام ، بالتأكيد المزيد من افقار الشعب السوداني .
ونواصل
محبتي واحترامي
https://www.facebook.com/share/p/LdkUXfEucUbCWGF2/?mibextid=oFDknk