✰ #مريخ_الأدب_والطرب
✰في ذكري رحيل الفنان أبو داود (4/ أغسطس/ 1984)
✰ إليكم جزء من رثاء “علي المك” لـ “عبدالعزيز”
✰… كنا نذهب إلى المنطقة الصناعية أي واحدة من المدن الثلاث تكون، بسبب أو بلا سبب، كان الحرفيون والصنايعية صناع الحياة يتجمعون حين يبصرون بسيارة عبدالعزيز، يصيحون به جماعات، على ملابسهم الزيت والشحوم والغبار، وحر الأسقف الزنك يلوذون منه بظلال النيم إذ يبدو انه لا شجر ينبت مواقع الحديد والشدة سوى النيم، تتوقف سيارته وينطلقون إليه وإليها، جماعة تطلب نكتة، وأخري حكاية وثالثة تطلب (زهرة الروض الظليل).
ويغنى ويؤلف نكتة على الفور، ويترك في المناطق الصناعية سعادة كبيرة.
✰ ما قصة زهرة الروض الظليل ؟
✰ في بدايات الستين مات على أبوالجود رحمه الله، وكان الرجل من أساطين الغناء، في عهده (طابق) كرومة عهدا ليس باليسير ثم استقل بغنائه، كان له صوت قوى عريض المساحة، وكان له في مجال تشجيع فريق المريخ باع طويل، وقرر معجبوه الأوفياء أن يقيموا له حفل تأبين على مسرح النادي الذي احب.
✰ روى الرواة أن على أبو الجود و جماعته كانوا يشهدون مباراة حامية بين فريق المريخ وفريق الشاطئ.
✰ جاء فريق الشاطئ قوياً، متحمساً، وبرز من لاعبيه حارس المرمى بصورة. رائعة، وامسك بكل الكرات التي صوبت نحوه، تذكر أبو الجود أن هذا الحارس من اكثر خلق الله حباً لكرومة و لفنه يتبعه أنى ذهب، رجل طربي من الطراز الأول.
✰ إنتهى شوط المباراة الأول، هتف على أبو الجود بالناس (يا عالم ما في زول في الهاشماب عنده رق)؟ بين الهاشماب و دار الرياضة شارع الموردة لا سواه، كان المريخ مهزوما بثلاث إصابات، انطلق مريخابي كالقذيفة إلى حي الهاشماب واحضر رقا، بدأ الشوط الثاني، مضى أبوالجود وجماعته وجلسوا خلف شباك حارس مرمى الشاطئ، و صدحوا بالغناء “الرشيم الأخضر، زهرة الروض الظليل، نسيم سحرك، جوهر صدر المحافل” الخ هذا الغناء العذب، ثم جعل الرجل يتداعى، يفقد توازنه طربا الله ! الله ! ورماة المريخ يسجلون، عصمت معنى، طلب مدني، أبو زيد العبد، وانتصر المريخ آخر الأمر.
✰ لم يكن عبدالعزيز يعلم شيئاً عن حفل التأبين، كنا نزور صديقنا الحميم حسن يحي الكوارتى في داره بحي العرب، منطقة ونصيبها من الشعر والغناء حق وفير، قلت له بعد أن هبط الظلام (يا أستاذ نمشى نادى المريخ لحضور حفل تابين على أبو الجود) وافق على الفور، ذهبنا، ؤ الطريق عجبت لهذا الرجل، دائماً للغناء مستعد، ولإسعاد الآخرين يتأهب، قلت لنفسي : من يعزف له ؟ ماذا يتوقع أن يكون بانتظاره في نادى المريخ ؟ أشرفنا على الموقع، كان محتشداً بالناس، مجموعة من أهل غناء الحقيبة، قدامى ومحدثين، قدموا خير مالديهم في ذكرى زميل وعزيز، جاء دور عبدالعزيز، صعد خفيفاً إلى المسرح، دأبه، صمت الجمهور يحتشد بالأذان، لم يقل إنه سيقدم أغنية بعينها، ولا أغنيات بأعيانهن، أخذ الرق من أحد المغنين بيد، ثلاثة أو أربعة من الكورس وقفوا خلفه، ما درى أولئك إنهم، وللتاريخ، أمسوا على مشارف مولد أغنية لدى عبدالعزيز، ما كان قد حدثنا عنها قط، ما ترنم بها قط، نكون في سيارته نجوب الطرقات، كثير أحيان، بلا هدف ولا هدى، إذ ذاك يكون الغناء والطرب ونكون محاولات التنغيم التي لم يبلغ علياءها من معاصريه أحد، الرمية أولاً، طال صمت الأذان تحتشد: هيا ( الجرحو نوسر بى، غور في الضمير، فوق قلبي خلف الكى، يا ناس الله لى): صياح مذهل أمطار مثجمة من الطرب يعب منها الجمهور لحين يثمل نشوان، ثم (يا زهرة طيبك جانى ليل، أقلق راحتي حار بى الدليل، زاد وجدي) هناك جاء مولد زهرة الروض الظليل، (كرومة الأصلي) كما يقولون، إحدى أغنياته الخالدات، كرومة الأصلي، كما أتصور مع كلمات صالح عبدالسيد أبو صلاح، وكلمات عمر البنا وأشعار عتيق.
✰ خرجنا من الحفل والجمهور المحتشد يصفق لنا في حماسة كأنه يظاهر فريق المريخ، برعى وابراهومة وجقدول.
✰ و أنا انظر إليه: كيف يصمت هذا الصوت الذي هطل سعادة على كل شبر في الوطن على مد بضع وأربعين سنة، مرة كنا في اتحاد الفنانين، في الدار كانوا يحتفلون بثورة أكتوبر، كل الفنانين الكبار اشتركوا في الحفل، جاءنا حيث كنا نجلس آخر الصفوف، عبدالله حامد العربى عازف الكمان المجيد. قال لعبدالعزيز (سمعت انك مريض ولن تستطيع الغناء) رد عبدالعزيز (المرض بحمى الغنا؟).. ضحكنا قام قال (سأغنى لكم ثنائي مع الكابلي) اتفق المطربان، صعد عبدالعزيز إلى المسرح، كان الزعيم إسماعيل الأزهري يشهد الحفل، كان سعيداً جداً، تقدم عبدالعزيز إلى المايكرفون، قال يخاطب الزعيم (حيغني ليكم اثنين من أولاد بحري، ثنائي، الكابلي وأنا، بلاك آند وايت)!
كان بشير عباس في مقدمة الأوركسترا، والخليل، وتم دور واتدور. وأنا انظر إليه: في ذلك المغيب الكئيب، هل يمنع المرض الغناء؟…. الخ
✰ صباح السبت 4 أغسطس 1984
كان ذاك العام بما فيه وما انقضى منه ثقيلاً بأحداثه، بطوارئه، وقضاة طوارئه، وقد استحال بذلك إلى قرن من الزمان كان حكمه الواحد هو كاليجولا وجنكيزخان، وسوموزا، آه صباح ذاك السبت طرت إلى الخرطوم بحري لحين أن بلغت دار عبدالعزيز كان الطبيب قد عاده في المساء، ووصف له دواء، أفاده شيئاً حين اطل الصباح، لعل أنفاسه هدأت بعض شئ حين رأيته قلت (الحمد لله) ثم عدت إلى طاحونة الحياة اليومية.
✰ في العصر أيضاً جلست وحدي أشاهد الألعاب الأولمبية، تتفجر معها ذكريات لوس انجيلاس عهود الصبا، اخفق الضوء الأصيلي فصار إلى ضوء باهت وأطبق المساء عل روحي، هذا اكثر لحظات اليوم كآبة عندي، وقع أقدام،. ثمة من يصفق، وثب قلبي إلى فمي، أهذا طعم الفجيعة؟ جاء إلى محمد احمد حمد زميل دراستي، وجار عبدالعزيز، أهناك وقت للتحية؟ نظرت في وجهه، لحظ في وجهي، لا ريب، أثر الفجيعة يوشك هو أن يطلق عنانها خبرا. قال إن عبدالعزيز حالته خطيرة، ذهبنا إلى الطبيب ما وجدناه، وقال لي انهم حملوه إلى المستشفي في بحري، قلت له (انطلق بي) حين وصلنا إلى المستشفي لم يكن على أبوابها جمع حاشد، أوقفنا السيارة قبل أن نسأل، سمعنا رجلاً فقيراً ما ستر الليل فقره يحدث بائساً مثله في أول ليل بحري يقول له (أبو داؤود مات) ! انفجرت السيارة، نحن بداخلها، تبكى ! أعدت الطبيعة عدتها، زمجرت الريح في الأشجار مكتئبة الأغصان، تبكي، صعد الغبار يبكى، قالت الطبيعة: إن هذا نصيبي من الحزن، تكون الفجيعة الرؤية مدببة الأطراف وذات أبعاد، انطلق الأسى على شاشة التليفزيون يبلغ الناس الخبر الذي (جل حتى دق فيه الأجل) لقيت عبدالله العربي أمامي جالساً، يتيم الكمان، على الأرض يبكى، والفاتح الهادي يبكى، وجل أهل الموسيقى، برعي دفع الله كان بعيداً عن ليل الفجيعة في تونس، بشير عباس في جدة، وبقيت وحدي. وجاء كل أهل الموسيقى يبكون، وكل الوتريات تبكى، ورق كرومة يبكى، والخرطوم بحري دخلت (بيت الحبس). هل يموت عبدالعزيز، سذاجة سمها أو جهالة فلتكن، كنت أظن أنه لن يموت وأنه دائماً هناك كل مساء قبيل إخفاق ضوء الأصيل في داره بالدناقلة في الخرطوم بحري، وأنه بانتظاري، للونسة أو نخرج لمجاملة الأصدقاء، آه لقد ذهب في نفس الوقت من المساء، يلبي نداء ليس يقدر أن يتمرد عليه أحد.
✰ نبهنا الطيب محمد الطيب مرة بمقالة في يوميات الأيام كتبها عن عبدالعزبز، كأنه كان يحس أن هبة الله لهذا الوطن توشك أن تعود إلى من وهبها لنا، وما سمعنا كلام الطيب.
✰ وقال لي حسن عطية بعدها (هل قرأت كلمة الطيب؟ ما عجبتنى، بصراحة زي الكتب تأبين لعبدالعزيز) ولم نصدق هذا كله، وفي المساء الموعود، مساء السبت الرابع من أغسطس عام 1984 حمل روحه الرائعة وغناءه العذب، ولم ينتظر.
✰ اعلاه جزء من كتاب الاديب على المك في رثاء أبو داؤود
✰ رحمهما الله برحمته الواسعة
#امة_المريخ_يا_تُقابة_وفاء
#المريخ_العالمي_عالم_تااني
#ذكري_رحيـل