*مبدعون تعرفت عليهم: (1) سعد الدين الطيب.. رحلة محفوفة بالآمال الموسيقية صلاح شعيب*

العمل الغنائي يقوم أكثره على دور العازفين في توصيل المادة للمتلقي. ويكاد الناس لا يتوقفون عن ذكر عماليق العازفين على كل الآلات، أولئك الذين أضافوا للحن، وأداء الفنان رونقاً. بل إن بعضهم بخبرته الأدائية، والسماعية، يتدخلون في لحظات انعقاد الورش الموسيقية ليضيفوا لمقدمة اللحن، أو لزماته. وأحيانا يكتشفون التناص في اللحن المقدم، سواءً من الملحن الفنان، أو الملحن، ويصنعون البدائل تواً. ولذلك يمكن القول إن كثيراً من الألحان السودانية بجانب فكرة ملحنها الأول شهدت تعديلات نهض بها العازفون لغاية عدم تكرار النغمات في الأغنية، أو المقطوعة الموسيقية.
سعد الدين الطيب من الجيل الوسيط من الموسيقاريين الذين قدموا مساهمات قيمة في هذا الصدد. إذ ظل منذ أكثر من أربعة عقود من الزمان يشارك في تحلية الأعمال الموسيقية بأنامله الرشيقة التي تبدع في الأورع مع كبار الفنانين، والفرق الموسيقية مثل السمندل، وعقد الجلاد.
وخلاف ذلك فقد قام بتأليف، وتوزيع، بعض الألحان والإشراف على مهرجانات، والمشاركة مع أوركسترا برنامج أغاني وأغاني، وهذه تعد من أكثر المساهمات التي كان يمثل فيها سعد الدين رأس الرمح في العرض الموسيقي بجانب زملائه العازفين المقتدرين. وسعد منذ عرفته في مستهل النصف الثاني من الثمانينات يفضل تقديم مجهوداته في صمت، ولا يحبذ الأضواء. وظل بصبره وحبه الكبير للعمل الموسيقي والتدريس في المجال مثابراً على تقديم الجيد من الإنتاج الفني، وتقدير واحترام أذن المستمعين. ولم يكن سعد عازفاً وموزعاً موسيقياً وملحناً مجيداً فحسب، وإنما أيضاً صار يمثل معينا للجيل الجديد من الموسيقيين المنفذين والدارسين. وتسبقه دائماً ابتسامته
سعد ترك البلاد في فترة الحرب حيث استقر بالإمارات. ويعكف حالياً على تنفيذ عدة مشاريع للارتقاء بفن الموسيقى، وتحسين طرق تدريسها بالوسائل الحديثة، والتركيز على دورها وأهميتها فى بناء المجتمعات. وهو يعمل كذلك على وضع منهج لبعض النوتات السودانية، والألحان العالمية الشهيرة، بتكنيك مختلف للبيانو. كما يسعى مع زملائه الأكاديميين المهتمين إلى ضع قواعد للقوالب الموسيقية السودانية حتى يسهل تطوير منهج شامل للثيمات الأساسية للثراث السودانى من الناحية العلمية. ويهدف بذلك إلى المساهمة المؤملة بقدر المستطاع من خلال فن الموسيقى فى تنمية القدرات البشرية، وتحفيز الإبداع بكل أشكاله.
-٢-
ولد سعد الدين الطيب الماحى يوسف في الحصاحيصا في الرابع عشر من نوفمبر 1957 وهناك تاثر ببيئة الاسرة الفنية حيث كان والده مغنيا في المدينة. وعند مرحلة الثانوية استهوته آلة الأكورديون حتى صار واحداً من أول فرقة موسيقية لصديقه الفنان الراحل مصطفى سيد أحمد.
لاحقاً التحقق بالمعهد العالي للموسيقى، وتخرج عام 1985، حيث حصل على البكلاريوس متخصصاً في آلة الأورغ والبيانو. فضلا عن هذا فقد ملك تخصصات إضافية تعلقت بقيادة الأوركسترا والتأليف، والتوزيع، وتدريس علوم الموسيقى بأنواعها كافة.
نال سعد عضوية اتحاد المهن الموسيقية واتحاد الفنانين منذ العام 1981، واجتهد كثيراً في تطوير وتحسين الأداء بالمعالجات، وضبط أداء الأوركسترا بالإشراف والتنظيم والتوزيع لمئات الأعمال لعمالقة الفن السودانى من أغنيات، ومؤلفات موسيقية فى مختلف المهرجانات، والتظاهرات الفنية والموسيقية. كذلك عمل سعد الدين فى مجال الدراما فقام بوضع تأليف الموسيقى التصويرية لعدة مسلسلات وأفلام تلفزيونية، وساهم كذلك بتنفيذ كثير منها بصورة حية على المسرح.
وشارك كذلك بالتوزيع الموسيقى لعدة مهرجانات عالمية، منها عربياً مهرجان اتحاد إذاعات وتلفزيونات الدول العربية. وساهم أيضاً بالتوزيع الموسيقي والكتابة للأوركسترات المنفذة فى سوريا في العام 2001 وكذلك الأردن. وفي العام 2002 شارك مع زملائه الموسيقيين فى Susan Festival فى الولايات المتحدة الإمريكية عام 2007. وكذلك شارك بتغطية عدة مهرجانات ومحافل للموسيقى السودانية فى الكثير من الدول الأوروبية والآسيوية والأفريقية فى مختلف المناسبات الرسمية أحياناً، والمخصصه للجالية.
من خلال مسيرته الفنية قام سعد الدين بصياغة وتوزيع العديد من الأغنيات السودانية فاقت المئات من أغنيات، وألبومات، وقطع موسيقية لعمالقة الفن السودانى توزيعاً، وإشرافاً. ويعمل حالياً على وضع أسس جديدة لتأليف وصياغة موسيقى بأسلوب مستحدث، وتأليف قطع صغيرة سودانية للبيانو، والأورغ للقراءة الموسيقية، ومنهج التدريب لها.
-٣-
على المستوى المحلى تم اختيار سعد الدين الطيب من ضمن زملائه بوصفه أفضل عازف أورغ فى القرن فى مهرجان القرن لاختيار روائع القرن الذي شارك بالاستفتاء فيه الموسيقيون الأكاديميون، والكتاب، والصحفيون، والجمهور. كذلك تم اختياره من قبل الدولة لوضع الموسيقى والمؤثرات لاحتفال افتتاح وختام الفيفا لبطولة أفريقيا لكرة القدم للمحليين، وذلك تحت إشراف الاتحاد الأفريقى لكرة القدم، و التى استضافها السودان عام 2010. وقد ألف فيها كل الأعمال بما فيها الأوبريت الرئيسي، وكل قطع المؤثرات، وأشرف على ذلك بشكل تام وحقق نجاحاً مشهودا به.
في الخارج شارك سعد الدين بورقة السودان فى أيرلندا لاتحاد أطباء مهتمين بالموسيقى والثقافة الوطنية، وعمل بالتدريس فى معهد المعلمات بالجماهيرية الليبية لمدة خمس سنوات من 1991 إلى 1996، ونال شرف اختياره لوضع امتحانات معاهد المعلمات فى الدولة. وكذلك وضع العديد من المناهج لمختلف المراحل فى السودان.
سعد الدين لم يتفرغ للتلحين بخلاف لحن أعمالاً غنائية للشاعر محمد طه القدال عبارة عن ملحمة بمناسبة عيد المرأة كما لحن الأوبريت الأساسي لختام دورة الفيفا. ويعكف حاليا على تحويل أعمال لمحمد الأمين لموسيقى بحيث تؤدي الأوركسترا العمل فيما يقوم هو بأداء الصوت من خلال صولو البيانو وهي تمثل عشرين من ألأعمال الفنان الراحل.
ولديه أيضاً مقطوعات موسيقية خاصة قام بتألفيها وقد وجدت الإشادة ولكنه لم يجد الوقت الكافي من قبل للتفرغ لأخراجها بشكل متكامل. وبخلاف ذلك فإنه سوف يقدم أعمالاً من موسيقى الراحل برعي محمد دفع الله الذي يراه قد أنجز الكثير المقدر في هذا المجال.
هكذا كانت مساهمة الأستاذ الكبير سعد الدين الطيب الذي أضاف الجميل لاعمالنا الإبداعية. وما يزال يأمل بأن يخرج بموسيقانا نحو العالمية من خلال أعمال جديدة تهتم بالإخراج، والتنفيذ الموسيقي الدقيق، وذلك ما كانت تفتقر إليه الأغنية السودانية حتى تنتشر على مستوى الإقليم، والعالم ايضاً. والتحية لهذا الفنان المبدع وننتظر منه المزيد من التألق في هذا المجال الحيوي لحياتنا، وأحاسيسنا، ومستقبلنا.
صلاح شعيب

مقالات ذات صلة