(نجوم في الحرب)
سلسة حوارات يجريها:
محمد جمال قندول
وزير الصحة الاتحادي هيثم محمد إبراهيم لـ”الكرامة”:
(…..) هؤلاء اخرجوني من حي المطار فى اليوم الثالث للحرب…
اصيب ابني بقصف المنزل فى اليوم الثاني ..
حاولوا قتل (فرد حراستي)
عدتُ من صلاة الفجر أول يوم وسمعت جنود الميليشيا يكبرون
هذا (….) ما قاله لي (3) من عساكر الميليشيا
آخر خبر شاهدته بالتلفاز كان ضرب الميليشيا لمبنى الجوية
ربما وضعتهم الأقدار في قلب النيران، أو جعلتهم يبتعدون عنها بأجسادهم بعد اندلاع الحرب، ولكنّ قلوبهم وعقولهم ظلت معلقةً بالوطن ومسار المعركة الميدانية، يقاتلون أو يفكرون ويخططون ويبدعون مساندين للقوات المسلحة. ووسط كل هذا اللهيب والدمار والمصير المجهول لبلاد أحرقها التآمر، التقيتهم بمرارات الحزن والوجع والقلق على وطن يخافون أن يضيع.
ثقتي في أُسطورة الإنسان السوداني الذي واجه الظروف في أعتى درجات قسوتها جعلني استمع لحكاياتهم مع يوميات الحرب وطريقة تعاملهم مع تفاصيل اندلاعها منذ البداية، حيث كان التداعي معهم في هذه المساحة التي تتفقد أحوال نجوم في “السياسة، والفن، والأدب والرياضة”، فكانت حصيلةً من الاعترافات بين الأمل والرجاء ومحاولات الإبحار في دروبٍ ومساراتٍ جديدة.
وضيف مساحتنا لهذا اليوم هو وزير الصحة الاتحادي هيثم محمد إبراهيم، فكانت هذه هي ردوده:
*كيف علمت بنبأ الحرب.. هل من التلفزيون أم سمعت أصوات الذخيرة أم أخبرك أحد بالهاتف؟
أنا باعتباري اسكن حي المطار يوم السبت ذهبت لصلاة الفجر كالعادة، وحقيقة خلال الفترة الأخيرة التي سبقت الحرب كانت الأوضاع بحي المطار متأزمة جدًا وحتى أصل منزلي كانت هنالك ثلاثة ارتكازات للميليشيا وهنالك كثافة في عددهم وأنواع الأسلحة، الوضع كان مزعجًا وفي بعض الأحيان كنت أفكر فى الرحيل من هذا المكان بعد العيد مباشرة ولكن قدر الله وما شاء فعل. وفي يوم السبت بعد صلاة الفجر عدت للمنزل كالعادة والغريب في الأمر وأنا عائد من المسجد كان هنالك تجمعًا لقوات الدعم السريع في الطريق بين المسجد والمنزل وكانت توجد تجمعات تقف فى صفوف، بعضهم يكبر فأخذت الموضوع (طابور عادي)، ولكن يبدو أنّه كان استعدادًا.
على العموم، عدت للمنزل و(ما اشتغلت بالموضوع كتير) وبعد ذلك كان لدي مواعيد اجتماع بالمجلس الطبي فى العاشرة صباحًا وقلت أخرج من المنزل في حوالي التاسعة صباحًا لكن في حوالي الثامنة والربع اتصل علي حرسي الشخصي أمن الوزارة وأخبرني بأن لا أخرج من المنزل لوجود احتقان في الشارع، وحينما فتحت باب المنزل وجدت (الضرب شغال)، وبعد ذلك اتضح وجود معارك داخل حي المطار والضرب كان من اتجاه واحد مع العلم بأنني أقطن في منتصف حي المطار بين منزل المتمرد حميدتي والأحياء الشمالية قصر الضيافة ومنزل النائب العام وبعد ذلك علمت بتمرد الميليشيا وفتحت التلفاز.
*من هو أول من هاتفته بعد اندلاع الحرب؟
أول تواصل لي كان حرسي الشخصي بالوزارة وحاول أن يصلني بالمنزل بعربة الإسعاف.
*كنت تسكن في حي المطار.. صف لنا الساعات الأولى من الحرب؟
الساعات الأولى كانت صعبةً جدًا وسردت لك أنّه قبل الحرب تحول حي المطار لثكنة عسكرية، حيث كانت توجد عربات “بوكلن” وأسلحة ثنائي بصورة كبيرة جدًا، وفي أيام الحرب حيث إنني قضيت ثلاثة أيام بحي المطار أول وثاني وثالث ايام الحرب، اليوم الأول كنت مع الأسرة لم أخرج لأنّ الأوضاع كانت صعبة جدًا ولكنني نشطت في إجراء اتصالات لمعرفة الأوضاع وكنت جالسًا أمام التلفاز وآخر خبر شاهدته ضرب الميليشيا لمبنى الجوية وبعدها قطعت الكهرباء تمامًا وبعدها بساعات قطعت المياه. والضرب في اليوم الأول استمر منذ الصباح في اتجاه واحد حتى بدأ ضرب متبادل بالمساء والأوضاع بدأت تسوء وكل ما أنوي الخروج يطلبوا مني من اتصل عليهم بالتريث قليلًا لأنّ الأوضاع صعبة حتى الأمور تهدأ.
إصابة ابني
مضى اليوم الأول والثاني الذي كان صعبًا للغاية لأنّ الضرب كان متبادلًا، حيث تم قصف غرفة في المنزل نتج عنها إصابة ابني ولكن الحمد لله كانت ضربة خفيفة وبقينا في الأرض لا نتحرك إلا للماء والأكل الذي أصبح يتناقص رويدًا رويدا، والمياه المخزنة أصبحت في تناقص وهاتفي قارب على النفاد من الشحن بسبب انقطاع الكهرباء وفشل فرد الأمن الخاص بي فى الوصول إليّ وحاولوا قتله بالشارع لأنّ أحد عساكر الميليشيا تعرف عليه، و(ما عرفت أعمل شنو وتكاد لا تسمع إلّا الضرب والرصاص والقنابل).
*كيف خرجت من حي المطار أثناء الحرب؟
في اليوم الثالث جاءني ثلاثة من عساكر الميليشيا ضربوا شباك المنزل وهم من الموجودين في ارتكاز أمام المنزل مباشرة منذ زمن وكنت أصادفهم في الصلاة وأحيانًا نناولهم صينية أكل في رمضان ونادوا علي يا دكتور انت قاعد عايزنك تمرق، فذهبوا بي أنا وأسرتي راجلين-وهي أول مرة نخرج منذ بدء الحرب والشارع كان عبارة عن قنابل و(كسير) وعربات محروقة- حتى أوصلونا المسجد بحي المطار. وفي أي لحظة بإمكانك أن تتخيل أن تقع قنبلة في المكان فطلبوا منا البقاء في المسجد وسيأتي آخرون ليخرجونا.
اكتشفنا أنّه في اليوم الثالث خرج أغلب قاطني الحي وبقينا في المسجد (منتظرين الزول يجي يسوقنا اليوم الأول عدى في وضع مأساوي وموية ما في وما لقينا حاجة نفطر بيها لقينا خبيز بايت وأذكر أنّها كانت ليلة 26 رمضان وكانت ليلة صعبة جدًا وكل مرة يجوا ناس واحدين عايزين يصلوا، واحدين متهجمين عديل وجزء منهم ما بعرفوا عربي خالص والحمد لله ربنا صرفهم عنا).
عربات مدججة بالأسلحة
وفي تلك الليلة كانت العربات المدججة التى دخلت حي المطار لا تقل عن 200 الـى 300 عربة للميليشيا، والأشكال بدأت تتغير منذ ثاني يوم وظهر تمامًا (إنو الجماعة ديل ما عندهم رغبة يطلعونا، وبعداك ربنا سبحانه وتعالى رسل لينا نفس الشاب المن الدعم السريع الطلعنا من البيت للمسجد وما عارف الجابو الجامع شنو وقال يا دكتور لسه قاعدين قلت ليه أي، هو ذاتو انزعج وقال لي حنطلعك هسي والجماعة التانين قالوا ليه خليه ما يطلع، فقام الشاب دا أصرّ عليهم وقال يا دكتور عايز تمشي وين؟ قلت ليه نمرة 2، قال لا المنطقة الحتت كلها صعبة وفيها قواتنا ما بخلوكم)، قال (ممكن أوصلك للمركز الطبي الحديث قلت ليه خلاص بدق لناسي ناس الإسعاف يجوني في المركز الطبي الحديث). الحمد لله أصرّ وأخذ المخاطرة رغم رفض من معه وساقنا ونحن وراءه راجلين و(الضرب شغال لحد ما وصلنا المركز الطبي الحديث وجو جماعتنا ساقونا بالإسعاف) .
كانت تجربة صعبة جدًا(لانو كم مرة كانوا عايزين ينزلونا ويعتدوا علينا لكن ربنا يسر لحدت ما مرقنا من المنطقة وبدينا حياة جديدة.
وعندما خرجنا ذهبنا الى مستشفى الخرطوم وامضينا ليلة كاملة فيه وهنالك عقدت أول اجتماع إسفيري مع مدراء العموم بالوزارة كلهم اجتماع كامل وكذلك مع بعض الولايات اتفقنا على الترتيبات الأولى وأخرجنا أول بيان بالنسبة لنا وقلنا هذه الحرب ستكون لها آثار سالبة على النظام الصحي المتعب وحذرنا من التعدي على المؤسسات الصحية وتوقعنا الخطورة التي سيتعرض لها النظام الصحي والشاهد فى الأمر أنّه في مستشفى الخرطوم حدث ضرب مباشر من الميليشيا جاءوا بسياراتهم من ناحية الجنوبية وصوبوا المدافع نحو المستشفى وضربوا لمسافة طويلة وكنا داخلها و(لكن ربنا لطف) وبعدها اتخذنا قرار إخلاء المستشفى وأخطرت مديرها بنقل المرضى والمصابين والحمد لله الكوادر الصحية مشكورين استجابوا واجتهدوا في النقل حتى صباح اليوم الثاني وبعدها خرجت من المستشفى ولم استطع الذهاب لأمدرمان وذهبت إلى لفة جوبا والتي مكثت بها زمنًا.
*حدثنا عن العمل في ظروف الحرب؟
العمل في ظروف الحرب كشف عن معادن الكوادر الصحية بالبلاد سواءً كان الأساسية التي تعمل بإدارة الوزارة والذين باشروا العمل مباشرة ونفذوا اجتماعات إسفيرية ومكثوا في الإمدادات الطبية الفترة الأولى حتى تم إخراجهم من الدعم السريع بقوة السلاح والكوادر التي عملت بالمستشفيات.. حقيقي العمل في الحرب كشف عن معادن الجيش الأبيض والإنسان يسعى والتوفيق من رب العالمين.
ورغم أنّ الأوضاع الصحية كانت صعبة ولكننا سعينا مع الكوادر والشركاء واستطعنا توفير الإمداد والأدوية وكان تحديًا كبيرًا جدا.
*الحرب طالت؟
طبعًا للأسف الحرب طالت.
*ما خططكم في وزارة الصحة لما بعد الحرب؟
كما ذكرت لك منذ الاجتماع الإسفيري الأول كان لدينا خطةً واضحة واشركنا كل المنظمات الدولية معنا، والخطة هي التي ساهمت في العمل وتمثلت في خمسة محاور، الأول: الإمدادات الأساسية للأدوية المنقذة للحياة واستطعنا توفيرها من خلال الشركاء. والمحور الثاني: كان ضرورة تشغيل المؤسسات الصحية وتشغيل مستشفيات الطوارئ على أساس تعويض الفاقد في الخرطوم.
المحور الثالث : كانت مكافحة الأوبئة والأمراض خاصة وأنّ الحرب قد تفرز لنا أمراضًا مثل “الكوليرا، والملاريا والحميات النزفية”، والحمد لله سبحانه وتعالى تجاوزنا الخريف الماضي. المحور الرابع: كان صحة الأمهات والأطفال باعتبارهما شريحة ضعيفة واستطعنا مواصلة البرامج الأساسية مثل تغذية الأطفال وتحصينات الأطفال ووفيات الأمهات. والمحور الخامس والمهم: قيادة العمل الصحي بالعمل مع الشركاء، يعني نحن عشان ما نخلي الشركاء ديل سواءً كان أمم متحدة وغيرها يتعاملوا كانوا مع طرفي نزاع وحرب يتعاملوا مع الحكومة مع الدولة ووزارة الصحة ويشتغلوا وفق الآليات المرسومة لوزارة الصحة الاتحادية. والحمد لله رب العالمين هذه خطتنا التى عملنا عليها من بدأت الحرب ونسميها خطة الاستجابة العاجلة.
مؤخرًا في 2024 فتحنا ملف جديد وهو إعادة الإعمار، وعملنا فيه خطة كبيرة جدًا وواسعة لرؤية استراتيجية لتوزيع الخدمات الصحية سواءً كان توزيع المشافي بكل ولايات السودان أو الخدمات الأساسية تصل لكل مواطن سوداني بكل بقاع البلاد حتى خدمات الأدوية والتخزين الدوائي وهي خطة استراتيجية شغالين وبدأت..