يرى معظم المحللين أن المساعي الدولية والإقليمية المنعقدة بسويسرا لن تنجح في تحقيق اختراقات حقيقية لوقف الحرب. فأمريكا، وبوصفها القائدة لهذه الجولة، وإن رددت بأن سويسرا تعتبر امتداداً لجدة، إلا أنها فشلت في تقديم مسوغات موضوعية يمكن أن تضاف لما انتهى إليه ذلك المنبر. الحال كذلك، وطالما أن هناك انقسام داخلي وجوهري بشأن الموقف من هذه المفاوضات، فالنتيجة الطبيعية هي استمرار الحرب. ما إذا كانت أمريكا عن علم أو بجهل لم تتلمس موقف غالب السودانيين أو أنها تستثمر في خلافاتهم، فقيادتها للملف ستبوء بالفشل سيما وأن المبعوث الأمريكي أغفل رغبات السودانيين المعارضة لأي مستقبل سياسي أو عسكري لقوات الدعم السريع. بذات الوقت، ومن خلال بعض الدعوات الخاصة التي وجهها لبعض المنظومات المدنية لتنضم لمنبر سويسرا، فالمبعوث الأمريكي يبدو مبشراً بعملية سياسية غير واضحة المعالم الأمر الذي يزيد من فرص قبوله وسيطاً محايداً لعامة الشعب السوداني.
قبل الاستغراق في مناقشة مآلات التفاوض يجدر التعرض لثلاثة أحداث تسيدت المشهد خلال الأسبوع المنصرم وعلاقتها بمشاهد الحرب والمفاوضات لوقفها. *الحادثة الاولى*: انقسام المحللين من موقف القوات المسلحة من التفاوض لتيارين، وذهاب أحدهم لترديد أن القوات المسلحة لا تملك قرارها، وبالتالي فإنها لن تنخرط في مفاوضات سويسرا استجابة لرغبة المسيطرين عليه من فلول النظام البائد. أما التيار الآخر فيرى أن القوات المسلحة وقطاع واسع من المواطنين مقتنعين بعدم جدوى التفاوض مع الدعم السريع حتى ينفذ مخرجات جدة سيما وأن الأخير فشل في الوفاء بما تعهد به، وبالتالي فإن المليشيا لن تمضي طوعاً في إخلاء سبيل المواطنين وبيوتهم بوصفهم الرهينة التي تضمن بقائهم في المشهد. *الحادثة الثانية*: ملابسات تصوير عضو مجلس السيادة السابق محمد الحسن التعايشي بصحبة د. نصر الدين عبد الباري وزير العدل الثورة بحي السفارات بالعاصمة البريطانية لندن، وبجانبهما شخص يشتبه بأنه القوني حمدان دقلو. *الحادثة الثالثة*: انطلاق المفاوضات بسويسرا في غياب القوات المسلحة مع استمرار الضغوط الأمريكية لإلحاق الجيش بالمفاوضات بأي طريقة.
لا خلاف على الصراع المحموم من أجل السلطة بين قيادتي القوات المسلحة والدعم السريع. هذا الصراع الذي تسببت فيه تلك القيادات، وبتحريض من بعض القوى المدنية، أدى، ضمن ملابسات أخرى، لاندلاع الحرب. مع ذلك يظل أكبر خطأ وقع فيه معظم السياسيين عدم تفرقتهم بين المصالح العليا للدولة والمصالح الشخصية أو الحزبية. فالصراع على السلطة بين القيادات المدنية من جانب والقيادات العسكرية من الجانب الآخر أدى لحالة الخلط والتضليل وتضييع حقوق المواطن والوطن. فبلا جدال أن القوات المسلحة، وكغيرها من مؤسسات الدولة، وخلال السبعين عاماً الماضية، خضعت لإضعاف ممنهج ومقصود. بعيداً عن القوات المسلحة، فالناظر لحال المحامين والقضاة والمهندسين والأطباء والصحفيين أو حتى السياسيين فإن الناظر سيرثى على حالهم. ما هية مآلات هذا الضعف وأثره على الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وما إذا كان الأمر يتطلب تحميل المسؤولية الكاملة، وحصراً، لمؤسسات الدولة بغض النظر عن الفاعلين من المواطنين والمهنيين أو الأحزاب السياسية أو منظومات المجتمع المدني، فإن ذلك القرار لن يكون عادلاً بل ولا يبرر الاستغناء عن المؤسسات أو تسليمها لجهة من الجهات دون النظر للمآلات. بالطبع هذا الاستسلام لا يقول به عاقل أو سياسي محترف، ونواصل.
عبد العظيم حسن
المحامي الخرطوم
18 أغسطس 2024