الأزمة الكارثية التي تمر بها بلادنا منذ منتصف أبريل من العام الماضي، أوضحت للجميع صديقنا الذي يقف بجانبنا وعدونا الذي يتربص بنا، مصداقاً لقول الإمام الشافعي:
جَزَى اللهُ الشَّدَائِدَ كُلَّ خَيْر
وإن كانت تُغصّصُنِي بِرِيقِي
وما شُكْرِي لهَا حمْداً وَلَكِن
عرفتُ بها عدوّي من صديقي
منتصف أغسطس الجاري زار بلدنا السودان للمرة الثانية خلال فترة الحرب، د. محمد أحمد الشرهان رئيس مجلس إدارة جمعية صندوق إعانة المرضى بدولة الكويت الشقيقة، وتعتبر الزيارة التي استمرت ستة أيام فريدة ونوعية لشخصية من الوزن الثقيل في الحقل الطوعي والخيري في منطقة الخليج، فالرجل ومجموعة من زملائه الأطباء أسسوا الجمعية أواخر السبعينيات لتقديم الإعانة للمرضى، وافتتحت مكتبها بالسودان منذ 1986م وظل يتوسع وتغطي خدماته ما يربو عن العشر ولايات، يساند النظام الصحي ويعمل على تقويته من خلال تشييد وتشغيل المستشفيات والمراكز الصحية المتخصصة والأولية، بجانب مشاريع مراكز الصحة والتغذية والحماية وإصحاح البيئة وسلامة المياه ومكافحة نواقل الأمراض وتدريب الأطر الصحية وتنمية المجتمع وقيادة حملات الإغاثة والطوارئ الإنسانية والصحية وتوفير الأمن الغذائي مما جعله أكبر مقدم للخدمات الصحية في السودان بعد المؤسسات الحكومية.
الخطوة التي اتخذها د. الشرهان بزيارة السودان في هذا الظرف الاستثنائي، مع غياب وسائل النقل إلا عبر السيارات وقطعه أكثر من 1800 كم جيئة وذهابا بالطرق البرية؛ ليتفقد أوضاع النازحين بمراكز الإيواء بولايتي كسلا والقضارف، رغم معدل الاختطار العالي، هذا المسلك عزز من مكانة الكويت والكويتيين وجهودهم الراسخة في قلوب أهل السودان.
الكويت كدولة وشعب ومؤسسات ظلت تقف بجانبنا لعقود طويلة، حريصة على تقديم العطاء بلا منِّ ولا أذى، وتعاظم دورها في فترة المحنة، حيث سيرت الجسور الجوية والبحرية، كيف لا وهي مركز للعمل الإنساني، وقائدها الأسبق الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، رحمه الله، تم تتويجه قائداً للعمل الإنساني في مقر الأمم المتحدة، وكان حدثاً غير مسبوق في تاريخ الأمم المتحدة.
زار د. الشرهان ووفده أكثر من سبعة مراكز إيواء، حيث ظل محاطاً بحفاوة الاستقبال من النازحين المستهدفين بالزيارة أطفالا ورجالا ونساءً، رغم الظروف التي يعانون منها، لكنها معادن أهل السودان المستمدة من الوحيين الكريمين، وقف معهم وسمع شكواهم واحتياجاتهم، وتناول معهم (الكُوجة) بالعدس، وجلس داخل خيامهم ووقف مع الذين لم يجدوا ما يستظلون به من حرارة الشمس وانهمار الأمطار، كما زار عددا من مؤسسات صندوق إعانة المرضى بالولايتين، وشارك في تدشين مشاريع الطوارئ الإنسانية والصحية التي تشتمل على 7 مشاريع موزعة في 6 ولايات، وفي طريق عودته، أصر على زيارة منطقة أروما وتفقد الأضرار التي نتجت من فيضان نهر القاش.
يحتفظ د. الشرهان بمكانة خاصة للإنسان السوداني، وفي حوار أجريته معه ذكر أنه أحبَّ الكسرة بملاح الويكة الحمراء (التقليَّة) ومشروبه المفضل الكركدي.
سألته عن أبرز انطباعاته بعد الزيارة فأجاب: ما رأيناه وشاهدناه مناظر تدمي القلب، فالسعيد من النازحين من كانت له خيمة، بعد أن كان له بيت وسيارة وعمل ومكانة، وقال إن تركيزهم سيكون على توفير الإيواء ومكافحة الأمراض الناتجة عن فصل الخريف ومواجهة وتخفيف تبعات الأمراض المتوطنة التي تحصد كثيراً من الأرواح، بجانب مشاريع إنسانية وصحية.
وكان للقائه بولاة الولايتين إسهام في تسهيل كثير من الإجراءات وبيان لحرص واهتمام الحكومة بتوفيق أوضاع النازحين باعتباره هاجسا يؤرق مضاجعهم لإيجاد وتهيئة بيئة مناسبة لهم.
ما فعله د. الشرهان عجز عن فعله كثير من السودانيين المقتدرين، وكثير من المسؤولين والجهات العاملة في الحقل الإنساني، وهذه رسالة لهم بأن يلتفتوا لإنسان السودان الذي لا حول ولا قوة له، وأن يغادروا مواقع الانتظار القابعين فيها.
وختاماً لا يشكر الله من لا يشكر الناس، فالشكر بعد شكر الله للكويت حكومةً وشعباً وجمعيات ومبرات، فذاكرة السودانيين ستظل تذكر هذه الوقفات الكبيرة وهذه الجهود العظيمة.
*كسلا 21 أغسطس 2024م*