(نجوم في الحرب)
سلسلة حوارات يجريها:
محمد جمال قندول
المدرب العام لنادي المريخ إبراهيم حسين “إبراهومة” لـ(الكرامة):
الحرب طالت (لأنّو الذنوب كتيرة والنفوس ما كويسة)
لم أصدق سقوط مدني عن طريق (كبري حنتوب)..
قررت الخروج من “المجاهدين” بعد اتساع رقعة الاشتباكات
وقعت بعض فوارغ الرصاص والقذائف بمنزلي
لهذا السبب (….) أوقفتنا الميليشيا بعد كبري سوبا
أيقظني أبنائي وأخبروني باندلاع الحرب وافتكرت الموضوع بسيط و”حيعدي”
فقدنا أرواحًا غالية وعرفنا قيمة الجيش
ربما وضعتهم الأقدار في قلب النيران، أو جعلتهم يبتعدون عنها بأجسادهم بعد اندلاع الحرب، ولكنّ قلوبهم وعقولهم ظلت معلقةً بالوطن ومسار المعركة الميدانية، يقاتلون أو يفكرون ويخططون ويبدعون مساندين للقوات المسلحة.
ووسط كل هذا اللهيب والدمار والمصير المجهول لبلاد أحرقها التآمر، التقيتهم بمرارات الحزن والوجع والقلق على وطن يخافون أن يضيع.
ثقتي في أُسطورة الإنسان السوداني الذي واجه الظروف في أعتى درجات قسوتها جعلني استمع لحكاياتهم مع يوميات الحرب وطريقة تعاملهم مع تفاصيل اندلاعها منذ البداية، حيث كان التداعي معهم في هذه المساحة التي تتفقد أحوال نجوم في “السياسة، والفن، والأدب والرياضة”، فكانت حصيلةً من الاعترافات بين الأمل والرجاء ومحاولات الإبحار في دروبٍ ومساراتٍ جديدة.
وضيف مساحتنا لهذا اليوم هو المدرب العام لنادي المريخ إبراهيم حسين الشهير بـ”إبراهومة”، الذي سرد لنا قصته مع الحرب:
أول يوم الحرب؟
كنت في الخرطوم بحي المجاهدين، وأذكر أنني عدت من مطار الخرطوم حوالي الخامسة صباحًا.
وأنت راجع من المطار ألم يلفت انتباهك شيء؟
أبدًا لم يكن هنالك أي مدعاة، كانت الأمور طبيعية.
كيف علمت بنبأ الحرب؟
أيقظني أبنائي وأخبروني باندلاع الحرب وافتكرت أنّ الموضوع بسيط و”حيعدي”.
كيف مرّ اليوم الأول؟
مرّ على أمل أن تعود الأمور لطبيعتها.
كم مكثت في حي المجاهدين؟
25 يومًا.
متى ولماذا اتخذت قرار المغادرة؟
لم أكن أتخيل بأنني سأخرج، ولكن أنا مرّ علي 25 يومًا بدون كهرباء وبدأت المشاكل تترى ولذلك قررت الخروج بعد أن اتسعت رقعة الاشتباكات.
أين كانت الوجهة؟
لم يكن لدينا خيار سوى مدني.
الرحلة ما بين المجاهدين لمدني؟
حاولنا أن نذهب بعربتي ولكن “البنزين” لم يسعفني فعدت من كبري سوبا بسبب ذلك، ثم أجرنا عربة في اليوم الثاني وبعد أن قطعنا كبري سوبا تم إيقافنا من الميليشيا لوجود ضرب طيران.
ثم ماذا؟
وقفنا (زي ساعتين).
وصلت مدني بأمان؟
نعم ومكثت فيها أشهرًا.
متى خرجت من مدني؟
اليوم الثاني من سقطوها.
مدني ماذا كان ملفتا؟
أقدم التحايا لأهل مدني والذين استقبلونا ومدوا أياديهم بيضاء، حيث بدأنا في عمل إنساني ضخم عبر منظمة (وطنا)، وبعداك أصبح لدينا دور كبير في المستشفيات بمشاركة مجموعة كبيرة من أهل مدني وكنا نقدم وجبات.
يوم سقوطها؟
نعم في اليوم الأول كنا في حي الزمالك وبعد أن سقطت اتجهنا صوب سنار وأخذنا ليلة فيها، ثم كسلا ثم سواكن ثم بورتسودان.
الرحلة من مدني لسنار كيف كانت؟
كانت رحلة شاقة جدًا، حيث وصلنا من مدني لسنار في أكثر من 7 ساعات.
كيف كان شعورك بعد سقوط مدني؟
لم أستوعب ولم أكن مصدقًا بأن تسقط عن طريق كبري “حنتوب”.
مأساة عايشتها أيام الحرب؟
المأساة كانت سقوط مدني حيث شاهدنا ضرب الطيران للميليشيا قبل أن تسقط مدني وكنا نمني أنفسنا بأن لا يحدث ذلك ويتم دحر التمرد والدليل على ذلك كان قد أُعلن انتصار القوات المسلحة في اليوم الأول.
وبعد التجوال في الولايات السودان الآمنة أين كانت الوجهة؟
أصبح علي التزام مع نادي المريخ ولم يعد لدي خيارًا سوى الذهاب لمصر، ثم بعد ذلك أصبحت متجولًا رفقة الفريق الأول والحمد لله تأهلنا للمرحلة الثانية لأبطال إفريقيا، وعبر هذه السانحة أقدم الشكر الجزيل لدولة الجنوب حكومةً وشعبًا والأروع والأجمل ترديد أهل جنوب السودان النشيد الوطني السوداني ودي دلالة على المحبة الجارفة من إخوتنا الجنوبيين، ودا إحساس بأنّ الانفصال على ورق ولكن الوطن واحد.
يوميات الحرب؟
الخرطوم خلال الأيام الأولى لم نواجه أي صعوبات ولكن آخر أسبوعين عانينا في الخرطوم وبدأت بانقطاع الكهرباء والنهب.
وفي مدني؟
ما لقينا إلّا الشيء الجميل والتقدير والمحبة ولم نكن نتوقع كل هذا الكرم وكذلك سقوطها، عشان كدا الصدمة بسقوطها كان كبيرًا يعني كانت الآمال من مدني نرجع الخرطوم وليس أن نغادرها، ولكن عسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم.
فوائد الحرب؟
عرفنا معنى الوطن ومعدن الناس وعرفنا وعايشنا قصص رجال يقدمون حياتهم فداء الوطن.
الحرب طالت؟
“طالت لأنّو الذنوب كتيرة والنفوس ما كويسة”، والابتلاءات كذلك كثيرة وهي فرصة للوقفة مع النفس و”أي زول يقيف مع نفسو”، لكننا سنعود ويعود السودان كما كان وسنحارب المتآمرين والمتعاونين والمرابين مع التمرد، وسنعود أكثر قوةً وأمانًا ولن نتخلى عن القوات المسلحة التي مهرت أروع المعاني ودافعت عن الوطن.
الموت هل اقترب أيام الحرب؟
بالتأكيد لأنّ حي المجاهدين قرب المدينة الرياضية ومن قبل وقعت بعض (فوارغ الرصاص) والقذائف بالمنزل.
قرار مغادرة الوطن؟
أنا خرجت من أجل الوطن نثبت بأنّ الحياة والأمور لن تتوقف ولن نهزم مهما كانت الظروف ونحارب “عشان ننجح” في كل المستويات، واعتقد بأنّ الحرب الحالية هي الأسوأ في تاريخ البلاد وذلك لأنّ المؤامرة كبيرة ومتورطة فيها أطراف إقليمية ودولية تهدف لتمزيق البلاد، ولكن أصالة وقيمة ومعدن الإنسان السوداني وبفضل تضحيات الجيش ستعود البلاد أقوى.
ماذا خسرت في الحرب؟
فقدنا أرواحًا غالية وكسبنا قيمة ومعدن الوطن وعرفنا قيمة الجيش، وكذلك كسبنا السودانيين الأصليين المستنفرين وعبرك أيضًا نحي القوات المسلحة وقيادتها وجنودها وكذلك حركات الكفاح المسلح والمستنفرين ولكن الأعظم والأهمّ ومن الحاجات الشفتها تفاجأت إنو أهلنا في الجزيرة كان يوقفوا الناس في الطرق ويغلقوها من أجل إطعام القادمين.
عادة فقدتها مع الحرب؟
تجمعنا كأسرة كبيرة يوم الجمعة.
الحرب هل أثرت على معنويات ونفسيات اللاعبين في الملاعب والمنافسات؟
أثرت على أي إنسان وفي كل لحظة أي لاعب وأي إنسان متأثر بالحرب دي.
كلمة أخيرة؟
شاكر لك، ونحن بقلوبنا ودعواتنا بانتصار القوات المسلحة والقوات النظامية وحركات الكفاح والمستنفرين بأن يحفظهم الله والنصر قريب، ونقول للذين تضرروا من السيول والأمطار ربنا يصلح الحال والسودان بلد تحت التكافل والتراحم والتعاضد ورأينا ذلك خلال تجربتنا بالحرب في الخرطوم ومدني.