أيام ثقال هذه ، يكاد لا يخلو يوم والموت لايطلب فيه وسامةً من بيت من البيوت السودانية ، محمد المكي إبراهيم شاعر الأكتوبريات العظيم يترجل وفياً لأكتوبر الذي على الأبواب ،
بِسْمِكَ الأخضرِ يا أكتوبر
الأرض تغني
الحقول اشتعلت
قمحاً ووعداً وتمنّي
والكنوز انفتحت
في باطن الأرض تنادي
بِسْمِكَ الشعب انتصر
حائط السجن انكسر
والقيود انسدلت
جدلةَ عُرسٍ في الأيادي
وأنا اطالع قبل ساعات في الاسافير إعلاناً لأحدى الفعاليات سيقيمها معهد جوته بجمهورية مصر العربية على شرف شاعرنا ، لكنها يد الموت وساعة اليقين التي لا تستقدم ساعة ولا تستأخر ..
محمد المكي إبراهيم ، الشاعر الذي عرفتني على بساتينه اول فتاة احببتها ايام المرحلة الثانوية عبر مجموعة من القصائد المهداة إليّ ، عبارة عن اقصوصات مكتوبة بخط يدها ، وقالت
“هذه الأشعار حفظتها خلسةً من دفاتر أبي ”
اذكر الورقة التي كانت مثقوبة في مكانين ، وكانَ ظاهراً الأثر ،
يشبه كثيراً حريق جمرة السجائر ، مكتوب بعطر يديها المراهقتان ..
هذا بلدي والناس لهم ريح طيب
بسمات وتحايا ووداع متلهب ..
كل الركاب لهم أحباب
هذي امرأة تبكي ..
هذا رجل يخفي دمع العينين
بأكمام الجلباب .
ونمى بيننا ما نمى من إلفة ومودات ، حتى اصبنا الوحل في منكبيه ، يومها جاءتني من أقصى روحها تسعى ، تحملها لها كانت مدلوقةً بالأحمر على ورقة فُلسكاب ، قرأتها بعد أن نام العالم أجمع
يا برتقالة
قالوا يشربونك
حتى لا يعود بأحشاء الدفاق رحيق
ويهتكون الحمى
حتى تقوم لأنواع الفواحش سوق
والآن راجوا
فظلّ الدن والإبريق
ظلت دواليك تعطى
والكؤوس تدار
أه أه
بعض الرحيق أنا .. والبرتقالة انت
فصرت افتش عن محمد المكي إبراهيم ، واسأل الناس عنه العظماء أبناء جيله ، الذي كتب عنه /هم
من غيرنا يعطي لهذا الشعب
معنى أن يعيش وينتصر
من غيرنا ليغير التاريخ
والقيم الجديدة والسير
من غيرنا لصياغة الدنيا
وتركيب الحياة القادمة
جيل العطاء المستجيش
ضراوة ومقاومة
المستميت على المبادئ مؤمنًا
المشرئب إلى النجوم لينتقي
صدر السماء لشعبنا
جيلي أنا..
هدم المحالات العتيقة
وانقضي سيف الوثوق مطاعنا
ومشى لباحات الخلود
عيونه مفتوحة
وصدوره مكشوفة
بجراحها متزينة
متخيرًا وعر الدروب وسائرًا
فوق الرصاص منافحًا
جيل العطاء لك البطولات الكبيرة
والجراح الصادحة
ولك الحضور هنا
بقلب العصر فوق طلوله المتناوحة
ولك التفرد فوق صهوات الخيول روامحا
جيلي أنا ..
جيل العطاء لعزمنا
حتما يذل المستحيل وننتصر
وسنبدع الدنيا الجديدة وفق ما نهوى
ونحمل عبء أن نبني الحياة .. ونبتكر
وحزنت كذلك مرةً قبل الان ، حين فاتني شرف لقائه في احد المرات في منتدى دال الثقافي ، وأي حزن هو أن يفوتك الشعر
يا هذا الشيء بلا اسم وبغير قرار
أنا اعلم انك تتلفني يا هذا الشيء
وستقتلني حتما حتما
يا هذا الشيء.
لكن باالله عليك
وبحق الخير ،وحب االله، وعزات الإنسان
لا تعجلني
دعني أحيا
دعني اصطاد هياكل اسماك ودخان
ولصيقا بالإحساس ستحيا أنت
إن تقتلني فالخاسر أنت،
الخاسر أنت .
عزائي لأسرته ، وذويه وأصدقائه ، ولأمتي ، أمتي الصابرة
المثابرة ،
و ” كأننا شواهد قديمة
تعيش عمرها
كي تؤرخ الهزيمة ”
أنا لله وإنا إليه راجعون
احمد الرمادي