*( ابقوا عشرة علي القضية السودانية وعضوا عليها بالنواجز ) 9 يناير 1982 – 9 يناير 2025 ذكري رحيل الشهيد الشريف حسين الهندي رجل لاتوفية الكلمات والقواميس الوصف*

( ابقوا عشرة علي القضية السودانية وعضوا عليها بالنواجز )
9 يناير 1982 – 9 يناير 2025 ذكري رحيل الشهيد الشريف حسين الهندي رجل لاتوفية الكلمات والقواميس الوصف ،
وطنيتة و نضالة وفكرة وعلمة وشجاعتة وصمودة ووفائة وكرمة وتجردة وزهدة وتواضعة له الرحمة والمغفرة والدرجات العليا من الجنان
انه النموذج والمثل والغدوة الحقه لكل اجيال الوطن والوطن العربي والعالم :
استعير في هذه الذكري والوطن في ظل الحرب اللعينة التي قضت علي كل شي ولازالت في أمس الحوجة لقائد بمواصفات الشريف حسين الهندي ، استعير الكلمات البليغة التي كتبها في رثائة شقيقة الشريف زين العابدين الهندي لهما الرحمة والمغفرة

رساله من الشريف زين العابدين الهندي .. إلى الشهيد الشريف حسين الهندي :
كان الحديث معك.. يخرج دائما من دائرة المحل والمكان، كنت تخترق دوائر الزمان بقلب يضم العالم العربي ، صورة وهيولي ، وأنت تحمل أثقال الواقع ، بكل أوزانه ومعطياته وقيوده ؛ وتحلق….متخطيا لكل الصعاب، ونشده نحن من حولك وأنت تذلل كثيرا من المستحيلات، وتحيل معظم الأمنيات إلى حقائق.
من ذا الذي كان يرقب هذه المعجزة.. وهي تنفجر من ينابيع النبيين؟، ومن ذا الذي يحيا بها الأن.. ويحمل أمانتها بين كتفيه، ويمضي بها نحو الخلود؟، ومن ذا الذي يرتاد الآن.. هذه المشارف السامقة.. وهو يبتسم حتى الموت، ويخاطب الناس من خلف البرازخ.. صارخا في البرية- كالعهد به حيا – وممسكا بتلابيب المستحيل؟، من ذا الذي يخوض -الآن – عتمات الظلام، شاخصا إلى الشعلة التي لا تنطفئ.. ولا تموت ؛ حتى لو إختفى هذا الأديم البشري؟، من ذا الذي كان جزءا من هذا الحب الإلهي.. الذي لا يغيض ولا ينضب ولا يجف، لتذروه الرياح ويمضي إلى العدم؟ من ذا الذي عاصره هذه السيرة ، وشق طريقه عبر هذه المسيرة ، وحمل أثقال العذاب على طريق الآلآم؟,
ها هي الأعوام تستدير كإستدارة الزمان، وما زال النداء يتيما.. تتجاوب أصداؤه عبر الفجاج ، وما كان له أن يكون يتيما.. وما ينبغي له!!، كأني بعينيك تغفو في محاجرها.. يقظى ؛ وترقب في إغماضها جمعنا، بسعة الصدر الذي لا يضيق.. أوتحسب أنا نعيش الضياع؟، كيف وهذا التراث تعلوه أكاليل الشهادة؟، أوتحسب أنا في حيرة من أمرنا؟، كيف.. وشرف الموقف يضيق به متسع الفضاء؟، لقد كنا بك مثلما أنت الأن بنا؛ نكون، أو لا نكون؟؟، أراك تسبغ ثوب إشفاقك العطوف كعادتك.. إن هذه الدموع تبتدر قسرا.. دعها مرة.. تسيل، إنها تغسل الآلآم لا تشفق.
صحيح.. هوت السارية وإضطرب السكان ، والنوء يعصف بالرياح وبالرعود وبالمطر، ولكن الجرذان وحدها تغادر الأن.. وذلك فضل من الله كبير؛ فإن السفن ترتفع فوق الأمواج، لا زلنا نرى الشاطئ في عينيك قريبا، وها أنت ترى أنا جاهدون في رفع الشراع.. فغدا تشرق الشمس ثانية، ويسكن الريح رخاء.. إطمئن .
.. لقد تعلمنا منك.. وما أكثر تعلمنا منك، تعلمنا منك:
تعلمنا منك التوازن الصعب، إنها لن تنحرف شرقا، ولن تنجرف غربا.. إن الوطن الذي تحلم به، يترامى بين ذلك الخليج وذلك المحيط؛ وأن الحرية التي تريدها لقومك هي ذات الحرية التي تريدها لوطنك الكبير.. وقوميتك الكبرى؛ تلك التي دافعت عنها حتى الموت، فلم تكن عبدا، مثلما أنك لم ترد أن تكون سيدا لمستعبدين؛ أنى كان هذا الإستعباد.. حتى لو كان لطبقة، حتى لو كان لحزب؛ وحتى لو كان لفرد.
وإن الديمقراطية التي أردتها، هي تلك التي يعيش فيها الإنسان.. حر الفكر، وحر المعتقد، وحر الرأي، وحر القول والعمل، وإن الإشتراكية التي نشدتها، هي عدالة الطمأنينة المشروعة، التي لا تجعل للطموح قيدا، ولا تتخذ للطمع إستغلالا، ولا يعرف فيها الفرد طعم الحاجة المر، ولا يتأذى فيها بتخمة الشبع من عرق الأخرين، ويمتد فيها النظر عبر أجيالها المقبلة، بغير التضحية.. بجيل أو بعض جيل مثلما علمتنا.. أن الجادة، ألا يطمس اليمين أعين الحقيقة الحضارية، وألا يبعثر اليسار معالم التراث، ويدفن المنابع القومية.
كما علمتنا أن القيادة هي نكران للذات.. وفناء في المجموع، وعيش بالحس الوطني، وضرب للمثل الأعلى.. رائع السمت والخلق والتكوين؛ وأنها حب أساس للناس.. (كل الناس)، وإيثار للناس..(كل الناس)، ورعاية وعناية يستظل بها حتى الأعداء، ويجدون فيها العفو والصفح والتسامح والغفران.
وعلمتنا.. أن الناس يتعلمون من أخطائهم؛ وأن الخطأ وليد التجربة؛ وأن الحركات كلها.. تجارب؛ وأنها عرضة للخطأ.. مثلما أنها عرضة للصواب.
وكان عندك للمخطئ درس ووعي ونقاش، مثلما للمحسن تفويض وتأهيل وتوكيل.
وعلمتنا.. أن كل الكبار آباؤك. وكل الأتراب إخوانك. وكل الصغار أبناؤك، من غير أن يفرق بينك وبينهم.. دين ولا لون. ولا لغة. ولا حزب ولا معتقد.
وعلمتنا..كيف يكون الرجل أمة وحده، ويكون قوما ويكون وطنا ويكون إنسانية برمتها.
وعلمتنا.. كيف يكون الوفاء، وأنت تخاطب الأزهري من لجج آلامك ومحيطات متاعبك، التي لم تبلغ قدميك يوما.. تمارس له عهود الوفاء، وتطمئنه على إكمال المسيرة، وتؤكد له السير قدما – بلا كلل ولا ملل- بالمجموعة كلها (بين ساعديك وعلى صدرك)، حنوا وحرصا، ومودة وصبرا، واحتمالا وتحملا
وعلمتنا.. كيف يفنى الإنسان في قضية، حتى تحيا بحياته.. وتتنفس بأنفاسه لا يخاصم إلا فيها، ولا يصالح إلا فيها، ولا يفر إلا فيها، ولا يحيا إلا لها، وكيف يكون من إجلها روحا لا يدركها التعب، وطاقة لا ينالها النفاذ وجسما لا يهده الجوع، وأعينا ساهرة لا يطرقها النوم.. ولا يغشاها النعاس كما يغشى الناس.
وعلمتنا.. أن الخوف والدعة والراحة. والرفاهية والإسترخاء. هي أعداء ألداء للنضال والكفاح.
وأعلمتنا بالبيان.. أنك مع المقاوم المعتقل في سجنه، ومع المقاتل في مصرعه ومع المهاجر في مهجره؛ وأنك تتوشح بدماء الشهداء من قبلك. وتحمل مسؤولية من معك، ومن ليس معك.
وعلمتنا.. أنك لا تحالف لتنتكس، ولا تعاهد لتنكث، ولا تبايع لتنقض ولا تصادق لتغدر، ولا تزامل لتماري، تنصلت من حولك “الجبهه” فصرت صمودا، وقعد من حولك القاعدون فذهبت وربك تقاتلان، ولم يضركما شيء.. وأرخيت سوابل الستر على كل شيء.
نم الأن يا أبا هاشم.. هانئا قرير العين، فكل الذين شرعوا معك شرعة الجهاد الحق، يجتمعون ويجتمعون، ويبتدرون ويتبادرون، وأنت ملء قلوبهم وصدورهم وعزائمهم؛ وما إعتركت شهور الأعوام إلا بدفن الموتى، ولم الجرحى والصفوف. وشحذ الهمم وإعداد العدة والعدد.
لقد تثاقلت خطوات التاسع من يناير 1982م، وهو يجر نفسه نحو المغيب مؤذنا بإنتهاء مرحلة طويلة عميقة ومتسعة الأبعاد؛ هي من أروع وأحدث ما خطته صنوف النضال، على صفحات التأريخ المعاصر، فنا متميزا جديدا عامرا فنيا.. من أفانين النضال والتربية الوطنية.. تنقلت بين الممارسات النضالية الشعبية المسلحة (حيث إختلطت دماء الشهداء مروية شوارع الخرطوم، في أروع مظهر من مظاهر الوحدة الوطنية (إلى الممارسات السياسية العربية والأفريقية مع الدول الصديقة وحركات التحرير المساعدة، وشخصياتها القيادية الحميمة، التي أدركت أصالة العمق الوطني، والتوجه القومي النقي.. في القيادة السودانية، وما تعتمل به أعماقها من ثروات نضالية، تجعلها من أبرز ركائز النضال القومي.. في الساحة العربية.
نم أبا هاشم راضيا مطمئنا.. ومرضيا عنك بإذن الله تعالى؛ فما لمثل ما بدأت إنقضاء، إلا النصر أو القبر… ولا توسط بينهما.. لكل الذين وقفوا معك وسمعوا ووعوا، وتعلموا وأملوا وانتظروا؛ وهم قطرك كله، وبلادك كلها ووطنك العربي كله، وقارتك الأفرقية جمعاء، هذا الوجود المقدس.. الذي يضمه قلبك الرحب الكبير، الذي لم يزل ينبض، ونسمع نحن وجيبه ونحس خفقه، ونتجاوب مع صداه.. وهو يمتلئ بأركانه وأرجائه، بكل الذين عرفوك شعلة عربية أفريقية (ناصر ، لومومبا ، جيزينغا، نكروما، سيكوتوري، بن بيللا، فيصل، صدام، القذافي، أبو عمار، جوكوني)، كان هذا رهطك.. يوم يعطر التأريخ صفحة ، بذكراك؛ وكانت هذه أبعاد الرؤية لديك في أرجائها الواسعة.. وأبهائها الرحبة.
نم أبا هاشم.. فلم يزل هذا هو الهدف، وهذا هو الدستور، وهذا هو الحداء؛ وها هنا مصارع الشهداء، وإنتصارات المناضلين، إننا بسبيل إلقاء بعض الجثث إلى اليم، فقد ماتت من الرعب؛ وها هي العاصفة تهدأ، والسارية ترتفع ويوشك الليل أن ينقضي، ويوشك القيد أن ينكسر، هو ذا أبو الشهداء… الزعيم الخالد إسماعيل الأزهري، وبصحبته الشهيد الثائر محمد صالح عمر والإمام البطل الهادي.. يقبلون، رموزا خالدة للوحدة الوطنية السودانية.
وإلى اللقاء… أبا هاشم .

مقالات ذات صلة