*مؤانسة رمضانية (4) مصطفى يا مصطفى “1”*

عاش مصطفى سيد أحمد حياة عريضة في عمر قصير، هذا وصف حقيقي لحياة مصطفى وإضافاته الكبيرة للأغنية السودانية عبر مشروعه الفني المميز. قد يحب الناس مصطفى، وقد لا يحب البعض طريقته في الغناء وطبقته الصوتية، وهذا مربوط بما كتبناه من قبل عن تنوع الذائقة الفنية والموسيقية للناس، لكن من غير الطبيعي، بل من الجحود أن يكابر أحد بأن مصطفى كان صاحب مشروع فني، وأن له بصمة قوية على جيل الثمانينات والتسعينات.

ولأن هذه مؤانسة، وفيها طابع شخصي من الحكايات والذكريات، فسأحكي قصة تعرفي على صوت وغناء مصطفى. وأنا أكتب كجمهور ومستمتع ومتابع معجب بمصطفى سيد أحمد وليس إلا.

كنت طالبا صغيرا رافقت شقيقتي الكبرى ليلى، لحفل في مدرسة بورتسودان الثانوية، وكانت رئيسة اتحاد طالبات مدرسة العشي الثانوية. تم تقديم فقرات فنية متعددة، ثم اعتلى المسرح شاب نحيف، خجول، قليل الحركة على المسرح، ويمسك منديل بيده، وغنى أغنية حمد الريح “الرحيل” ثم دخل في رمية بالفصحى وغنى بعدها “غدار..دموعك ما بتفيد” ثم “بعدك الفريق أصبح خلا”، وكان هذا مصطفى سيد أحمد، الذي سمعنا باسمه للمرة الأولى.

امتحن مصطفى الشهادة الثانوية، فيما أظن، ثم اختفى من بورتسودان. لكن أغنياته لم تختف، فقد ظل بعض فناني بورتسودان يؤدون هذه الأغنيات. وتميز فنان بورتسودان الكبير الراحل فاروق محمد صديق بأداء أغنية “غدار” حتى ارتبطت باسمه.

في النصف الثاني من السبعينات كان زواج شقيقتي “نجوى” بالحصاحيصا..وفوجئت في قيدومة نظمها خالي، بأن الفنان هو مصطفى سيد أحمد، وعزف معه على الأكورديون الموسيقار عاصم الطيب. سعد مصطفى بأني سعيت للسلام عليه وقلت له “نحن ناس بورتسودان” سعد بذلك وتلاطف معي. كانت هذه المرحلة، كما اكتشفت فيما بعد، هي المرحلة التي سعى فيها مصطفى للتعرف على امكانياته ووضع الأرضية لمشروعه الفني الكبير ومعه صديقه وزميل سكنه الشاعر أزهري محمد علي وثلة من شباب ومثقفي الحاحيصا.

ثم انتقل مصطفى لمعهد الموسيقى والمسرح، ولم يكن المعهد مجرد مؤسسة أكاديمية، لكنه كان معمل تفريخ ضخم للمواهب والمشاريع الفنية والشعرية والدرامية الكبرى. ومن هناك تبينت ملامح مشروع مصطفى سيد أحمد الغنائي والموسيقي بمعية شعراء المشروع، قدال وحميد وأزهري وصلاح حاج سعيد ويحي فضل الله ومن ثم مدني النخلي…. وعذرا لمن نسيت اسمه.

المدهش في مشروع مصطفى أنه قام على مزاج يبدو مخنلفا عن أمزجة المرحلة السائدة. ظهر أن الناس في تلك الفترة أميل للأغنية الخفيفة والراقصة، والكلمات البسيطة، ففاجاهم مصطفى بأغاني حميد والقدال ذات الطابع المحلي لكل من هؤلاء الشعراء…فغنى معه شباب الخرطوم “كون شبر…طوريي ..منجل، سبحي ..فانوسا مدردق”..كما ينطقها حميد… وغنى
” شوق الشوق للشوف آخي…ضارب بطن النسج الحي، ”
آ رعاوة .. العرب الرُّحّل، ما لاقاكُنْ فى المطرانى ؟، فى كاويقْ الجرف الأمحل
بين أسراب الرهو الراحِل، ساند أكتاف الليل الميّل، عِنْ ساساق الغيمة عليكُن، بين رقراق الخيمة معاكُن، ما أديتوهو شِوَىْ … بى حرجل؟”
…..

ويغني للقدال…
“ياسمحاتنا هو لبلب ويا قمحاتنا هو لبلب، ويا اللوز الفتق في الوادي هو لبلب، ويا البحر الطمح مدادى هو لبلب
سألتك بالذى ركز الارض معبد، وسوا الناس عليها مقام، سألتك بي حجى الامات ودعواتا، سألتك بي كبيداتنا ودعواتنا
شليل وين راح وزى برق السماك الجابها دغشية، وزى زغرودة البطن الكبارية، مرق
من شامة القمرا، مقدم بالعديل يبرا، تعالو آبشرو آجنيات شليل ما راح، شليل ما فات، شليل عند المسورو حرق بقالو حصاد،
شليل فوق التقانت قام خضار وبلاد، شليل مسدار شليل مشوار. شليلنا ارضنا يا جنيات”
وانتقل للغة امدرمان المدينيةمع الكتيابي
” على بابك نهارات الصبر.. واقفات،
بداية الدنيا هن واقفات،وكم ولهان وكم طائر، بعد نتّف جناحو وراك، لملم حر ندامتو.. وفات، قطع شامة هواك من قلبو
إلاّ هواك نبت تانى، وعلى بابك وقف تانى
غمايم شاقة حضن الليل مسافر فيها وحدانى..”….ونتابع

مقالات ذات صلة