*السودان : جدل الحوار السياسي وترتيبات اليوم التالي بين الموضوعية وفقدان الصلاحية… مبارك أردول*

من نافلة القول أن تجلس النخبة السياسية في البلاد بمختلف أشكالها لتتفاكر وتتحاور حول ترتيبات اليوم التالي للحرب في السودان وكيفية حكم البلاد وإدارة شؤونه، وهو فرض عين واجب القيام به خاصة لدولة مثل بلادنا أثقلتها الحروب والصراعات السلمية والعنيفة ومنذ حقبة ما قبل الاستقلال.
فقدت فيها البلاد اكثر من اثنين مليون مواطن وشرد اكثر من (١٤) مليون شخص داخليا وخارجيا ، وعجزت النخبة التي سيطرت على الحكم في مختلف الحقب من ان تتفق على وضع وصفة متوافق حولها وعقد اجتماعي تستطيع الإجابة على الاسئلة الموضوعية بحكم البلاد وإدارتها قبل من يحكمها كفرد.

ولو تمت الاستجابة لدعاوى أشقاؤنا الجنوبيين منذ مؤتمر جوبا ولجنة الدستور ومؤتمر المائدة المستديرة ولم يستهزأ بها لما احتجنا لاتفاقية اديس ابابا ١٩٧٢م ولما قامت الانانيا بمقاتلة الدولة وانتهاج العنف السياسي لاول مرة كسبيل للتعبير عن القضايا السياسية والمظالم .

عمدت قيادة الدولة حينها وقواها ونخبتها وغلفت نفسها بشعارات على شاكلة (No Separation Between on Nation) وهكذا وفوتت بذلك فرص تاريخية كان يمكن أن تخرج بلادنا من الدائرة الشريرة( ثورة – انقلاب -شمولية -ثورة …إلخ) والتي لم تنفك بلادنا من الوقوع فيها حتى الآن وفي حقب مختلفة.

بلادنا ليست مختلفة عن سائر العديد من الدول التي شكلها الاستعمار في جنوب العالم ، فمؤتمر برلين ١٨٠٤-١٨٠٥م الذي خط حدود ومعالم وأراضي الدول الحالية في جنوب العالم لم تشترك فيه نخبتنا وقواها السياسية في القرار لحال بلدانها، فجمعت شعوب وأمم وقبائل وثقافات مختلفة ومتباينة ومتنافرة احيانا وغير متجانسة في بقعة جغرافية واحدة وأطلق عليها المستعمرات للمؤتمرون والتي اصبحت بعد حقبة الحرب العالمية الثانية دولاً مستقلة ، كونت هذه الدول حينها لمخاطبة مصالح المستعمر ، وليس لعقد اجتمع فيه نفر من سكانها الحاليين او جمعت لمبررات منطقية، وحتى عملية الاستقلال شابها العديد من المشاكل، وعن عمد احيانا لكي تنتج دول غير مستقرة ولتكون في حوجة وتبعية أبدية للمستعمر نفسه، مالم تجلس نخبتها وتحدد ماذا تريد وكيف تريد أن تكون!؟ للأسف لم نفعل ذلك حتى الآن، بل دوما برزت مجموعات تعترض ذلك دون أن تتدبر مقاصد او لمكاسب صغيرة!.

إن حرب ال١٥ من أبريل يعتبر اكبر محطة مرت ببلدنا بعد انفصال الجنوب ، والذي كان من الضروري التوقف عنده، لذلك آن علينا الأوان لنجلس بشكل متجرد وبشجاعة لبحث قضايا بلادنا وهموم شعبنا وكيفية تصميم مشروع وطني وعقد اجتماعي جديد يجتمع فيه كما اجتمعنا عندما تكالبت المطامع على دولتنا وكادت أن تعصف به وتصدينا لها بكل قوة ومنعة.

وطالما هو واجب ورفعت من قبله المطالب واستغلت مختلف الوسائل للتعبير عنها فان على الجميع الإقبال عليه ولأنه مازال واجباً، ولا يجب على قوى متواجدة في كراسي السلطة حالياً ان تفكر بنفس الطريقة القديمة و تعتقد ان لا جدوى للحوار او تقلل من شأنه او من شان الجهات التي تبتدره! هذه البلاد يكفيها تجاذباً وتنافراً بين مكوناتها خاصة الوطنية التي اصطفت بجانب مؤسسات الدولة وقواتها المسلحة، فللجميع نفس القدر من التضحيات والمجهودات، فلا وصايا سياسية او صكوك غفران ستمنح من جهة مهما على شأنها، ولا ننتظر ذلك ، لقد انتهى هذا الوقت.

قد تكون المجهودات التي تقوم بها القوى السياسية في بورتسودان أو الجهود الأخرى يشوبها النقص وبعض الملاحظات ولكن ليس ذلك مدعاة للتقليل والاستهزاء ونفي الحاجة للقيام بالحوار السياسي وصناعة المشروع الوطني، فلا بديل يسمع ممن يعارض ذلك المجهود سوى عقلية ( يا فيها او نفسيها) او في افضل الاحوال يستلف من دفاتر الحلول القديمة التي صممت الاتفاق الإطاري والتي افشلت الحوار الوطني في ٢٠١٤م وتسببت في انفصال الجنوب والغت اتفاقية اديس ابابا واجهضت مؤتمر المائدة المستديرة وعارضت مؤتمر جوبا.

دعوتنا بصدق الى الجميع نحو الإقبال على عملية الحوار السياسي بين القوى السياسية والمجتمعية المختلفة وان الحوجة لحوار شفاف وجاد وذو مصداقية ومعلوم غاياته وموضوعاته وأطرافه هو حوجة حقيقية وليس ترف، وهو مدرك لنخبة بلادنا ولو كانت في قصور مشيدة، فلا يجب التكبر والتعالي على بعضنا البعض فإنكم لم تصنعوا دولة السودان ولم تبلغوا الجبال طولاً .

القاهرة
أبريل ٢٠٢٥م

مقالات ذات صلة