علمتُ بالأمس بخبر الرحيل المر لأنسان يعد من أميز كوادر “الشعب السوداني” المتشرب علمًا وثقافةً ومعرفةً بقضايا نظم الحكم ومستوياتها، وعلاقة المركز مع الأقاليم والمحليات فيما يخص هذه النظم وهو الدكتور العزيز “حسان نصر الله علي كرار”، الذي تشرفتُ بلقائه والتعرف عليه أثناء فترة المفاوضات التي أستمرت لأكثر من عام بين حكومة جمهورية السودان الأنتقالية والقوى السياسية السودانية وحركات الكفاح المسلحة “أطراف العملية السلمية”، وبوساطة وأستضافة حكومة جمهورية جنوب السودان التي ترأس لجنتها معالي مستشار رئيس الجمهورية للشئون الأمنية السابق “توت قلواك مانيمي”، والدكتور ضيو مطوك ديينق” وزير الأستثمار مقررًا للجنة وعضوية أربعة أخرون، وبرعاية كريمة من فخامة رئيس الجمهورية الفريق أول/ سلفاكير ميارديت.
كان الراحل دكتور “حسان نصر الله ” من ضمن خبراء وفد الحكومة السودانية الملازمين في هذه المفاوضات وكافة جلساتها الحوارية، يزامله الكثيرين من الخبراء في مجالات وشوؤن مختلفة، أذكر منهم على سبيل المثال وليس الحصر الأستاذ الأنسان البشوش جدًا “طه ياسين”، الدكتور “شمس الدين ضوء البيت”، مولانا “إسماعيل التاج”، وغيرهم من الخبراء والمختصين.
لمن أتيحت لهم فرصة الإطلاع على “اتفاق جوبا لسلام السودان” الذي وقع عليه في أكتوبر عام ٢٠٢٠م قد مروا على مسارات هذه الاتفاقية والقضايا التي تناولتها، والتي أشتملت ضمن ما أشتملت على مواضيع تتعلق بنظم الحكم وكيفية إدارة الدولة السودانية على كافة المستويات والأصعدة من المركز إلى المحليات؛ كان الراحل دكتور “حسان نصرالله” المرجع الأساسي في تناول هذه القضايا واضعًا حلولًا منطقية وجوهرية لها، وبقت أرائه ومداخلاته وإضافاته وإستشاراته تجد الأستحسان والقبول لدي الأطراف المتفاوضة، الحكومة السودانية وأطراف العملية السلمية، وحتى لدى الوسيط.
أهلته ذخيرته العلمية والأكاديمية، ومسيرته الادارية الطويلة الممتدة في الخدمة المدنية لتقلد منصب وكيل وزارة الحكم الإتحادي، الوزارة التي تأتي في قائمة الوزارات الكبيرة في التراتيبية البروتوكولية في السودان، من ثم عين مستشارًا للسلام، كما شغل كذلك عضو اللجنة العليا لمراقبة تنفيذ اتفاق جوبا لسلام السودان- مسار دارفور وغيرها من المهام والمسؤليات الوطنية، هو شخص كان لي شرف التعرف عليه حقيقيةً.
أتذكر إن لجنة الوساطة شكلت وبالأتفاق مع الأطراف المتفاوضة آلية مشتركة تتكون من الأطراف الثلاثة وكل مسار على حدة وهي “لجنة فنية” كلف بالعمل على إعداد ومراجعة بنود الاتفاق من حيث اللغة والصياغة والسياقة، وتصحيح الأخطاء الإملائية والنحوية، والوقوف على تريبيب الاتفاق وتبويبه وترقيمه بشكل نهائي، ظل الراحل دكتور “حسان نصر الله” مرابطًا وثابتًا بالتكليف في لجنة الحكومة السودانية للجلوس مع كافة المسارات، معه صديقه المقرب الأستاذ القدير “طه ياسين”، وتشرفت بالعمل والجلوس معهم لأيام وليالي وساعات طويلة ممثلًا للجنة الوساطة وسكرتاريتها.
أصبحت جلسات هذه “اللجنة الفنية” تتحول لمفاوضات جديدة، وحوارات لغوية ونحوية، ولجدال علمي وثقافي وسياسي، وإلى موانسات أخوية تصحابها دومًا الأبتسامات والضحكات. كما أتصف الراحل حسان بصفات ندر ما تجتمع على شخص واحد فهو رغم خلفيته الإدارية الطويلة والأكاديمية الذاخرة ظل شخصًا بسيطًا ومتواضعًا، مرحًا وبشوشًا، رقيقًا ولطيفًا.
عن نفسي أعتبر إن رحيل الدكتور العزيز “حسان نصرالله علي كرار” فقد عظيم لجيل الشباب المتعطش للتغيير في السودان، الجيل الذي يطلق على نفسه “الراكب الرأس” أصحاب “الرصة والمنصة” و “الراسطات”، وهو فقد جلل للشعب السوداني الذين هم في أمس الحاجة لقامة وطنية فذة مثله، ولروحه الأنساني الصانع للسلام.
أرسل التعازي الصادقة لعائلئه وأبنائه وأهله وأصدقائه وزملائه على رأسهم “طه ياسين”، ولكافة مسارات حركات الكفاح المسلحة والقوى السياسية الثورية ” أطراف العملية السلمية” الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان، وأخص بالتعزية السادة أعضاء لجنة وساطة جمهورية جنوب السودان لسلام السودان وسكرتاريتها وحكومة جمهورية السودان الأنتقالية.
له الرحمة والمغفرة.
وأنا لله وإنا إليه راجعون
،
.—————
مرفق بعض الصور التي تجمعنا مع الراحل دكتور ” حسان نصرالله علي كرار “.