*سقوط الفاشر… إعلان الساعة (صفر) لاجتياح السودان وبدء مشروع الاستعمار الجديد. ✍️ مرتضى جلال الدين*

ما يجري الآن في مدينة الفاشر، وما يخطط له في الغرف المغلقة من نيروبي إلى جوبا إلى أبوظبي وتل أبيب، ليس مجرد صراع داخلي أو حرب نفوذ بين مليشيات، بل هو أخطر مشروع اجتياح إقليمي منظم يهدد وجود السودان كدولة، ويستهدف اجتثاث سيادته واحتلاله فعلياً، عبر أدوات محلية وخطط دولية تتكامل بوقاحة غير مسبوقة.

الفاشر ليست مدينة… بل هي آخر قلاع السيادة الوطنية

الفاشر هي الآن أكثر من مجرد عاصمة لإقليم دارفور. إنها العقدة الجغرافية والعسكرية والسياسية الأخيرة التي تمنع انهيار كامل للجبهة الغربية للدولة السودانية. السيطرة عليها تعني فتح بوابة واسعة نحو شمال كردفان، ومن ثم النيل الأبيض، فالقضارف، فالهلال الشمالي بأكمله. لذلك فإن المعركة الدائرة اليوم على أسوارها، ليست معركة تكتيكية محدودة، بل هي معركة وجود، نقطة تحول استراتيجية إن سقطت، سقط بعدها السودان قطعة قطعة.

التآمر الإقليمي… حكومة الجنوب على رأس الحربة

لمن يشكك في حجم التورط الإقليمي في الحرب على السودان، فإن الوقائع على الأرض وحدها كافية لتبديد أي أوهام. لقد تحولت دولة جنوب السودان، الدولة الوليدة التي انفصلت عن السودان عام 2011، إلى قاعدة لوجستية وممر عبور رئيسي لمشروع دعم مليشيا الدعم السريع.

خلال الأسابيع الماضية، وفرت جوبا الممرات الآمنة، والمهابط السرية، وحتى المطارات النظامية للقوات اليوغندية التي دخلت الحرب فعلياً، ليس دعماً فقط لقوات الدعم السريع، بل تحضيراً لمرحلة ما بعد إسقاط الفاشر.

هل هناك أوضح من ذلك؟ أن تتحول أراضي دولة مجاورة إلى منصة إمداد وتموين وغرفة عمليات خلفية لعدوان مباشر على الدولة الأم، فهذا وحده كافٍ لتوصيف الأمر بأنه تورط جنائي في حرب عدوانية، وأن حكومة جنوب السودان شريك مباشر في التخطيط والإمداد، وفي العدوان القادم.

يوغندا… سيف المشروع الاستعماري الجديد

في الثاني من أبريل، تم رصد وتحليل دخول عدد من الطائرات الحربية اليوغندية إلى مطار “فلوج” بولاية أعالي النيل، القريبة جداً من ولاية النيل الأبيض السودانية. التشكيل الجوي شمل طائرة نقل من طراز “أنتنوف”، وأربع مقاتلات نفاثة. هذا التحرك العسكري الجوي اليوغندي لا يمكن فهمه إلا في سياق استعداد مباشر لتدخل مسلح في دارفور، فور سقوط الفاشر.

لكن يوغندا لا تتحرك من فراغ. بل هي ذراع تنفيذي ضمن مشروع إقليمي أوسع تقوده الإمارات، بدعم استخباري ولوجستي إسرائيلي، وبتواطؤ معلن من حكومة جنوب السودان، وتوافر دعم سياسي من كينيا التي تستضيف الآن حكومة الغزو البديلة، المعدّة لإعلانها مباشرة بعد سقوط الفاشر.

لقد أعلن قائد الجيش اليوغندي في وقت سابق، بكل وقاحة، أن “يوغندا ستصل إلى الخرطوم”. من يجرؤ على قول ذلك علناً؟ إلا من كان يملك ضمانات إقليمية وخططاً عسكرية جاهزة، ومحوراً كاملاً متكاملاً يخطط لإخضاع السودان وابتلاعه.

نيروبي… عاصمة حكومة الاحتلال القادمة

وفق مصادر دقيقة، فإن العاصمة الكينية نيروبي تستضيف منذ أسابيع ترتيبات إعلان “حكومة السودان الجديدة”، وهي حكومة صورية ستُفرض على السودان عبر القوة المسلحة بعد سقوط الفاشر، على أن تعترف بها يوغندا فوراً، وتوقع معها اتفاقية دفاع مشترك تشرعن التدخل العسكري وتبرر الاحتلال.

وهنا نصل إلى جوهر الخطة: إسقاط الفاشر ليس هدفاً بحد ذاته، بل هو الإعلان العملي لبداية مشروع الاحتلال تحت غطاء شرعي زائف. وسيُشرعن هذا الاحتلال بالاتفاق مع حكومة شكلية تُنصّبها قوى العدوان، تدّعي تمثيل السودان، بينما هي في الحقيقة أداة تمكين لمرحلة استعمارية جديدة عنوانها التبعية المطلقة والتفكيك السياسي والعسكري.

الإمارات وإسرائيل… من يموّل ومن يخطط؟

من يدفع الفواتير؟ من يسلّح؟ من يرسم الخطط؟ ليست الإمارات بريئة، بل هي الممول الأول لهذا المشروع، تقدم المال والسلاح، وتوفّر الغطاء السياسي في المحافل الدولية. أما إسرائيل، فهي من يشرف على الجانب الاستخباري وتوزيع الأدوار، في إطار مشروع “الهلال الفارغ” الذي يستهدف تفريغ الدول العربية والإفريقية من مضمونها الوطني، وتحويلها إلى ساحات نفوذ وقواعد استخباراتية.

لا للتهاون… نعم للزحف نحو الفاشر

إن التهاون في نجدة الفاشر الآن هو تهاون في نجدة الخرطوم غداً. من يظن أن سقوط الفاشر معزول عن الخرطوم، فهو واهم. من لا يفهم أن هذه المدينة تمثل الخط الأخير للدفاع عن السودان، فقد تخلى عن المسؤولية الوطنية.

و نحذر، وبأقصى درجات الحدة والوضوح، من أن التباطؤ أو التردد أو الرهان على تسويات ناعمة او مجتمع دولي هو انتحار بطيء للدولة. المطلوب الآن تحشيد شامل: سياسي، إعلامي، شعبي، وعسكري، وراء القوات المشتركة والقوات النظامية في الفاشر، وفتح كل خطوط الدعم والإسناد.

خلاصة القول:

الفاشر هي قلعة الدفاع الأخيرة.

©️ جنوب السودان متورط عسكرياً ولوجستياً في دعم مليشيا الدعم السريع.

©️ يوغندا جاهزة للتدخل المباشر فور إعلان “حكومة الاحتلال”.

©️ الإمارات وإسرائيل وكينيا جزء من مشروع تقويض الدولة السودانية.

©️ المعركة ليست مع مليشيا… بل مع نظام إقليمي استعماري جديد.

إما أن نكون في الفاشر… أو لا نكون في السودان.

مرتضى جلال الدين
13 ابريل 2025

مقالات ذات صلة