– السودان يحترق.
حرب طاحنة تمزق أوصال أمة، وتاريخ دموي يعيد نفسه بفصول أكثر وحشية. قادة الأمس، الذين أسسوا مليشيات الموت، يقاتلون اليوم “وحشهم” في مشهد عبثي يثير الغثيان. هل هي توبة؟ أم مجرد مناورة خسيسة لتبييض صفحات الماضي السوداء بدماء الحاضر؟
إرث الموت: مليشيات صنعتها السلطة.. والضحايا هم الشعب
لم يكن صعود قوات الدعم السريع قدرًا محتومًا، بل هو نتاج سياسات خبيثة لنظام البشير، الذي فضل بناء جيوش خاصة على حساب وحدة الجيش الوطني. واليوم، يدفع السودانيون ثمن هذا العبث أرواحًا مهدرة، ومدنًا مدمرة، ومستقبلًا مجهولًا.
السؤال الصارخ: هل يغسل القتلة أيديهم بدماء جديدة؟
يقاتل قادة الأمس. حسنًا. لكن أين كانت ضمائرهم عندما كانت ميليشياتهم ترتكب أفظع الجرائم في دارفور وغيرها؟ هل يكفي أن يرفعوا السلاح اليوم ليغفر لهم الشعب سنوات من القمع والفساد؟ التاريخ لن يرحم، والضحايا لن ينسوا.
الموقف الدولي: صمت مريب.. وتواطؤ مفضوح؟
العالم يشاهد. يدين بخجل. ولا يفعل الكثير. أين هي
القرارات الحاسمة؟ أين هي العقوبات الرادعة؟ أين هي المساءلة الحقيقية؟ صمت المجتمع الدولي ليس حيادًا، بل هو ضوء أخضر ضمني للمزيد من القتل والدمار ؟
…..النشأة والاعتراف ….
تعود جذورق قوات الدعم السريع الي مليشيا الجنجويد التي ظهرت في إقليم دارفور 2003 استخدمها نظام البشير لقمع التمرد انذاك حيث ارتكبت انتهاكات مروعة اعيدت هيكلتها في 2013 تحت إسم قوات الدعم السريع ووضعت تحت قيادة هيئة العمليات بجهاز الأمن والمخابرات الوطني
….ميراث تقيل من المليشيات ….
تعود جذور الأزمة الحالية الي عقود من التلاعب السياسي وأنشاء كيانات عسكرية موازية للدولة ويشير عادل عبد العاطي ،رئيس حملة سودان المستقبل الي أن ظاهرة الجيوش الخاصة أو المليشيات المرتزقة لحماية الانظمة أو الزعماء ليست جديدة ،وقد حذر منها الفلاسفة و المفكرين وايضا ميكافيلي صراحة في كتاب الامير أشار لي ان الذي يعتمد علي الجيوش الخاصة بدلا من الجيش الوطني يعرض سلطته وسلطات دولته للخطر لانها ليس لها ولاء الا لمصالحها في السياق الإسلامي ادت الي انهيار الدولة العباسية عندما تغلغل الاتراك والبهويون والسلاجقة في مفاصل الجيش وأصبح الخليفة محاطا بقوة لا تخضع له فعليا وقال عبدالعاطي بالعودة الي التاريخ السوداني نجد الرئيس الأسبق جعفر نميري أول من أدخل هذه البدعة السيئة الي المؤسسة الحاكمة حيث أسس القوات الصديقة لمواجهة تمرد الحركة الشعبية لتحرير السودان بدلا من الأعتماد علي الجيش الوطني، تلاه الصادق المهدي الذي لجأ الي تسليح مليشيات قبلية تحت إسم( المراحيل) مما سهل بدوره في أنتشار قوات الفيلق الأسلامي الموالية للقذافي في دارفور دخل في صراعات أقليمية لا علاقة له للسودان بها ، مضيفا ان الاسلاميين خوفهم من الجيش وبناء الدولة موازية عند مجئ الاسلاميين الي السلطة في 89لم يكونوا رجال دولة بل كانوا ناشطي حركة إيدولوجية تفتقد للرؤية المؤسسية ، ولا انهم اعتبروا الجيش مؤسسة علمانية عملوا علي اضعافه تدريجيا عبر التفكيك والتهميش والابعاد ،ثم ٱسسوا كيانات أمنية وعسكرية موازية أبرزها الدفاع الشعبي ،قوات العمليات الخاصة ،حرس الحدود ،الدبابين ،لكن اخطر مافعلوه الاسلاميين تأسيس قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) في الاساس قوات قبلية تم تحيدها وتسليحها خارج الأطر النظامية ،اراد البشير من خلالها ضرب الحركات المسلحة في دارفور ولحمايته من خصومه بما فيهم الاسلاميين انفسهم ،مبينا
ان خوف الاسلاميين البيلوجي من الجيش وتمسكهم المرضي بالسلطة جعلهم يوافقون في برلمانهم الصوري علي كل خطوات البشير ويشاركون فعليا في تفكيك الدولة القومية لصالح جيش خاص يتبع لفرد أو اسرة او قبيلة ، واضاف المفارقة انهم وجدوا انفسهم لاحقا ضحايا للمليشيا بعد انقلابها عليهم او كما قالت الحكمة (البيلدا المحن يلولي صغارهن )
واضاف ان سنوات حكم البشير الأخيرة تحولت المليشيا الي قوة موازية للدولة تتلقي ميرانيتها مباشرة من رئاسة الجمهورية لها سجونها ،ومحاكمها ،مخابراتها ،واقتصادها،دون اي رقابة برلمانية او اقتصادية ، حيث شاركت في جرائم حرب وانتهاكات مروعة خاصة في دارفور ، دون مساءلة ،بعد سقوط البشير تخلي الأسلاميون عن الدعم السريع بعد ان انقلب عليهم ،ولكن جنرالاته وقحت وقعوا في نفس الخطأ وراو ان حميدتي حليف مؤقت في لعبة الكراسي ،سمحوا له بالتمدد اكثر ليصبح سرطانا مستشريا في جسد الدولة ،ان هذه المليشيا كما اثبتت الأحداث لم تكن في يوما سلاح للدفاع عن الوطن ،بل أداة للقمع والعنف الوحشية وسببا مباشرا في تمزيق النسيج الاجتماعي والوطني ،واندلاع الحرب الحالية ومحاولة أختطاف الدولة
شهادات من الداخل تؤكد المسؤولية التاريخية …..
لنظام البشير والاسلاميين عن اذكاء نار الفتنة القبلية وتأسيس قوة خارجة عن القانون ويطالب بمحاسبة كل من تورط في دعم المليشيا التي قتلت وروعت المواطنين
السؤال الاخلاقي ..
هل يكفي دم الحاضر لمحو خطايا الماضي ؟
يبقي السؤال معلقا ،هل يمكن لمن تلطخت أيديهم بدماء الامس ان يقدموا أنفسهم اليوم كمنقذين ؟ وهل يغفر الضحايا وقائع الماضي الاليم بمشهد قادة الأمس يحملون السلاح ضد وحشهم الذي خرج عن السيطرة ؟
فيما طالب محلل سياسي حجب أسمه عن فرضية مقاضاة البشير وحكومته ومثولهم أمام القضاء وقال أن هذه المليشيا مافعلته في دارفور في السابق واليوم يعد جريمة انسانية مروعة تقتل وتعدم وتحاصر دون حسيب وصمت مخزي للمجتمع الدولي ان المسؤولية تقع علي عاتق البشير تلك الدماء والارواح والاغتصابات بتجنيده لحميدتي واضاف ان عهده معروف للكل ،
……
السودان يدفع ثمن اخطاء قادته ،والعالم يتفرج هذه ليست حرب اهلية ،بل كارثة أنسانية من صنع الانسان ،قاده اخطأوا ،وشعب يذبح ،وعالم صامت الي متي يستمر هذا الجنون .