*شوق لا يشفى، ووعد لقاء على تراب الذكرى بقلم : رندة المعتصم اوشي*

عامان من عمر الزمان مرت، وكل لحظة فيهما كانت غربة عنك… عن ترابك، عن شوارعك، عن صمت مقابر فاروق حيث يرقد والدي، المعتصم اوشي، الرجل الذي علمني أن حب الوطن فعل، لا شعار.

لم أزره منذ اندلاع الحرب… كانت آخر مرة صباح جمعة، سبقت -السبت الأسود – بيوم. لم أكن أعلم أنه اخر وداع . نظرت إلى قبره مطولا وكان قلبي كان يهمس لي: “قد تطول العودة، فتشبثي بهذا اللقاء الأخير.”
وها أنا اليوم، أكتب والحنين ينهشني، شوقا له، للخرطوم، لحضن لم أرتوي منه بما يكفي.

والدي… الضابط الإداري، والصحفي الرياضي، رفيق الهلال وعاشقه، ومقدم “بروفايل” الذي أرخ لوجوه الوطن وأبطاله.
كان صديقا لا يخلف وعدا، ناصحا بحكمة، ومحبا بقلب يتقد عاطفة. علمني أن الرجولة لطف، وأن الوطنية صبر. واليوم، أشتاق إليه أكثر من أي وقت مضى. اليوم ياوالدي تحررت الخرطوم ..

اليوم ياوالدي ، نهضت الخرطوم من تحت الركام تنفض غبار الدمار ، تمسح دموعها، وتفتح ذراعيها حاملة امل جديد .
الخرطوم ليست مجرد عاصمة حررتها البنادق… بل ذاكرة عاد نبضها، مدينة عادت روحها، حبيبة كنا نخاف أن لا نراها مجددا.
اليوم، نشكر الشهداء، ونبكيهم بفخر، ونشكر الأمهات اللواتي نذرن دموعهن للوطن.تلك التي قدمت ابنها وزوجها وابيها واخيها منهم من عاد ومنهم من لم يعد ومنهم من عاد محمولا علي الاكتاف ومازالت تنتظر فجرا جديدا، وها هو قد أتى.

الفرح يلوح في الأفق… في كل حي، في كل مدينة، في قلب كل مغترب لا يزال يحمل مفاتيح بيته في الخرطوم.
اليوم خرج الناس في الشوارع مشكلين عرسا تاريخيا محفوفا بالمحبه ممهورا بدموع الفرح وعناق يشفي الجروح ويرمرم الروح
واليوم، أرفع عهدي من جديد:
سأعود، وسأزور قبر أبي، وسأقول له: “انتصرت يا أبي… الخرطوم التي احببتها عادت ”

اعلنت الخرطوم حره ابيه
وغداً..يبدا البناء علي انقاض الفوضى
ويكتب تاريخ جديد من الصمود والعزة

مقالات ذات صلة