*عن أيّ سلام لدارفور تحدّثون، وقد صار وهماً يتبدّد تحت سحب البارود؟.. عثمان حلمي*

دارفور لا تنزف فقط، بل تصرخ في صمت مطبق، تحترق بنار حرب ضروس التهمت الأرض ومن عليها، ودفنت حلماُ لطالما انتظرته الأمهات في مخيمات اللاجئين بعيون تملؤها الرجاء.
اتفاق سلام جوبا، الذي ظن الناس أنه الممر الآمن نحو وطن يتسع للجميع، لم يكن سوى صفقة باردة اقتسمت كعكة السلطة بين أمراء الحرب، وتركت الجراح مفتوحة، والنار تحت الرماد. لم يكن بوابة للعدالة، ولا جسراً نحو المصالحة، بل مسرحية سياسية أُخرجت بإتقان، غابت عنها أصوات الضحايا الحقيقيين.

ثم هبت رياح الخامس عشر من أبريل، ليستكمل العنف دورته، ويُسقط قناع السلام الهش. فالحرب الأخيرة لم تُلغِ بنود الاتفاق فحسب، بل أجهزت على ما تبقى من الثقة، وعمقت الانقسامات، وكشفت هشاشة الدولة واختلال موازينها.

لقد فشل الاتفاق، لأنه لم ينبع من إرادة وطنية حرة، بل من منابر خارجية لم تُنصت لصوت الإنسان السوداني المغلوب على أمره. لم يكن للعدالة فيه نصيب، ولا للنازحين حضور، ولا للمرأة التي رأت الموت عشرات المرات كلمة.
وجدير بالذكر هنا أن مشاركة التكنوقراط من أبناء دارفور في حكومة الدكتور كامل إدريس لا تُعد انتهاكًا لاتفاق جوبا لسلام السودان، إذ إن الاتفاق لم ينصّ صراحةً على تعيين شخصيات بعينها في مناصب محددة. فلم تُسم في الاتفاقية أسماء كجبريل إبراهيم وزيراً للمالية، أو أبو نمور وزيراً للمعادن، أو مالك عقار عضواً في مجلس السيادة. بل كانت المناصب تُمنح وفقاً لنسب مشاركة الأطراف الموقعة، مع ترك حرية اختيار الشخصيات شأناً داخلياً.

وعليه، فإن تعيين كفاءات مستقلة من دارفور ضمن الحصة المقررة لاتفاق جوبا لا يُعد خرقاً لبنوده، بل التزاماً بروحه القائمة على إشراك مكونات الإقليم في إدارة الدولة، لا تكريس المحاصصة الحزبية أو ترسيخ سيطرة أفراد بعينهم.

إلا أن بعض القيادات المسلحة تحاول تصوير الأمر للرأي العام وكأنه تهميش متعمّد أو إقصاء متعمد لها، متجاهلين أن الشعب السوداني، وخاصة النازحين وضحايا الحرب، لم يكن في أي وقت طرفاً في اختيار تلك القيادات لتُمثله في السلطة. لذا فإن هذا التضليل لا يخدم السلام، بل يُعيد إنتاج الأزمة التي جاء اتفاق جوبا لتجاوزها

ورغم السواد المخيم، لا تزال دارفور قادرة على أن تنهض من تحت الركام، إن توفّر الصدق، وإن كفّ السياسيون عن المتاجرة بدماء شعبها. فليس السلام وثيقة توقع، بل وجدان يُبنى، وثقة تستعاد، وعدالة تُنجز.

مقالات ذات صلة

Optimized by Optimole