*السودان وبنك التنمية الأفريقي بروفيسور بكري موسي عبد الكريم*

الهدف من هذا المقال هو تسليط الضوء على علاقة السودان بمؤسسة مالية إقليمية مهمة هي مجموعة بنك التنمية الأفريقي وتقديم نبذة تعريفية مبسطة عن البنك بتوضيح آلية عمله، وكيفية اختيار مسؤوليه، مع التوقف عند أبرز مساهمات السودان في مسيرته، سواء من حيث الكوادر أو التعاون المؤسسي.
تُعد مجموعة بنك التنمية الأفريقي (AfDB Group) إحدى أهم المؤسسات المالية متعددة الأطراف في القارة، وقد تأسست رسميًا عام 1964 بهدف دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في أفريقيا. وتتكوّن من ثلاثة كيانات رئيسية هي بنك التنمية الأفريقي، وهو الذراع التنفيذية الأساسية، وصندوق التنمية الأفريقي المخصص للدول منخفضة الدخل، وصندوق نيجيريا الذي يُموّل بمبادرة من الحكومة النيجيرية. تضم المجموعة 81 دولة عضوًا، بينها 54 دولة أفريقية تُعرف بالأعضاء الإقليميين، و27 دولة غير أفريقية تُعرف بغير الإقليميين، من بينها الولايات المتحدة، اليابان، الصين، ودول أوروبية كبرى. وتشارك هذه الدول في رأس مال البنك وتمتلك حق التصويت في مؤسساته الحاكمة، مما يمنح البنك طابعًا دوليًا، ويجعله فاعلًا مركزيًا في تمويل مشروعات البنية التحتية، والطاقة، والزراعة، والتنمية البشرية في القارة.
وتعود جذور العلاقة بين السودان وبنك التنمية الأفريقي إلى لحظة التأسيس ذاتها، إذ شهدت العاصمة السودانية الخرطوم يوم 4 أغسطس 1963 توقيع اتفاقية التأسيس التي صارت تعرف باسم “اتفاقية الخرطوم”، والتي مهدت لانطلاق البنك رسميًا في عام 1964. وكان السودان من أبرز الدول المساهمة في صياغة هذه الاتفاقية والداعمة لقيام المؤسسة منذ بداياتها.
وكان لافتًا أن يُنتخب أول رئيس لبنك التنمية الأفريقي من السودان، وهو الاقتصادي المرموق مأمون محمد بحيري، اذ لعب السودان ممثلا في مامون بحيري دورًا مؤسسًا في البنك كأول رئيس له، بين 1964 و1970، وكان قبلها أول محافظ للبنك المركزي السوداني. ويُعد بحيري أحد أعمدة العمل المالي في أفريقيا، واعترافا بفضله في تاسيس البنك تم إنشاء مركز يحمل اسمه للدراسات الاقتصادية والاجتماعية في الخرطوم يهتم بإجراء البحوث التنموية في كل القارة الأفريقية.
وقد تم انتخاب مامون بحيري في سبتمبر 1964 عقب التأسيس الرسمي للبنك. وقد منح هذا الاختيار السودان موقعًا معنويًا ومؤسسيًا مميزًا في بدايات مسيرة البنك، عكس تقدير الدول الإفريقية لدوره الريادي ومكانته الاقتصادية آنذاك. وقد افتتح بنك التنمية الأفريقي رسميًا في 1 يوليو 1966، واتخذ من أبيدجان، عاصمة دولة ساحل العاج، مقرًا رئيسيًا له. علمًا بأنه نقل أعماله مؤقتًا إلى تونس في عام 2003 بسبب الاضطرابات السياسية التي شهدتها دولة ساحل العاج إبتداءا من عام ٢٠٠١، ثم عاد البنك الي مقره في أبيدجان في عام 2014 بعد عودة الاستقرار الي ذلك البلد.
واصل السودان مساهمته الفاعلة في بنك التنمية الأفريقي من خلال مشاركة عدد من الخبراء السودانيين في مختلف مستويات العمل المهني والقيادي داخل المؤسسة. فقد شغلت الدكتورة بدور عثمان أبو عفان، الخبيرة الاقتصادية البارزة، منصب نائب رئيس البنك، وكانت من أوائل النساء السودانيات اللائي وصلن إلى هذا المستوى الرفيع في مؤسسة مالية إقليمية، وقد عُرفت بدفاعها عن قضايا تمكين المرأة والتنمية الريفية. وفيما بعد، تولت الدكتورة زينب بشير البكري المنصب ذاته، مؤكدة استمرار الحضور النسائي السوداني في القيادة العليا للمؤسسة.
كما تولّى عدد من السودانيين مناصب إدارية عليا بالبنك، من بينهم السيد حسب الرسول العبيد، والسيد الحاج سعيد، والدكتور الفاتح شاع الدين، والدكتورة أمل حمزة، والدكتورة سونيتا بتامبر، والسيد أمير زاهر الساداتي، والدكتور نادر العبيد، والدكتور محمد نور الدين حسين، والدكتورة عديلة مصطفى أبو شرف، إلى جانب كاتب هذا المقال، في تجسيد واضح لاستمرار الكفاءات السودانية في الإسهام بخبراتها في هذه المؤسسة الإقليمية الرائدة.
ومما يدعو للأسف، أن عدد السودانيين العاملين في البنك قد شهد تراجعًا ملحوظًا خلال السنوات العشر الماضية. وانطلاقًا من هذا الواقع، فإننا نحثّ الشباب السوداني، وكذلك الراغبين في التقدّم للوظائف العليا أو الخدمات الاستشارية والمقاولات، ممن يتمتعون بكفاءة تنافسية عالية وإتقانٍ لإحدى لغات العمل الرسمية في البنك – وهي الإنجليزية، الفرنسية، أو الإسبانية – على متابعة الفرص المتاحة عبر البوابة الإلكترونية للبنك على شبكة الإنترنت، حيث تُعرض العديد من الوظائف والبرامج المتاحة للكفاءات المؤهلة.
ومنذ عام 1974، شارك عدد من الكوادر السودانية في مجلس المديرين التنفيذيين لبنك التنمية الأفريقي، حيث شغل منصب المدير التنفيذي ثلاثة سودانيين هم الدكتور محمد خير عبد القادر، والسيد الفاتح محمد خالد، والدكتور الصديق محمد العبيد الذي تم انتخابه مؤخرًا للفترة من عام 2025 إلى 2028. كما تولّى عدد من كبار موظفي وزارة المالية مناصب مساعد أو مستشار للمدير التنفيذي، من بينهم السيد مصطفى حولي، والسيد يسري محمد جبر، والسيد إبراهيم عمدة، والسيد سيد حمداني، وقد أسهموا جميعًا بخبراتهم الاقتصادية المتميزة في تمثيل السودان خير تمثيل وتعزيز حضوره داخل هذه المؤسسة الإقليمية.
ويوجد مكتب قطري للبنك في الخرطوم – كما هو الحال في سائر الدول الأفريقية – وقد تم افتتاحه في عام 2007. ويمثل المكتب القطري لبنك التنمية الأفريقي في الخرطوم حلقة الوصل بين البنك والحكومة السودانية، حيث يضطلع بجملة من المهام الحيوية في تنسيق التعاون التنموي. يقوم المكتب بالتنسيق المباشر مع وزارة المالية والجهات الوطنية الأخرى لمتابعة تنفيذ المشروعات المموّلة من البنك وضمان توافقها مع الأولويات التنموية للبلاد. كما يشرف على تنفيذ استراتيجية التعاون القُطري، ويقدّم الدعم الفني وبناء القدرات للمؤسسات الوطنية، من خلال ورش عمل وتدريب على إدارة المشروعات والحوكمة المالية.
وإلى جانب دوره في القطاع العام، يوفّر المكتب فرصًا للقطاع الخاص السوداني للوصول إلى تمويلات البنك، خصوصًا في مجالات الزراعة والصناعة والطاقة، وقد استفادت شركات مثل شركة سكر كنانة و مجموعة شركات دال من هذه المبادرات. كما يعمل المكتب بالتنسيق مع المكتب الإقليمي في نيروبي لتعزيز التعاون الإقليمي المشترك، ويمثّل البنك رسميًا في المحافل الوطنية ذات الصلة بالتنمية الاقتصادية.
ويُعد وجود كفاءات وطنية في قيادة المكتب – علي رأسهم كبير الاقتصاديين السيد/ يوسف بشير – انعكاسًا لحرص البنك على تعزيز التوطين وتوفير فهم محلي دقيق للسياق السوداني، ما يسهم في تعظيم فرص التعاون الفني والمؤسسي بين الطرفين.
ويضطلع المكتب القطري بدور تنسيقي بين رئاسة البنك في أبيدجان والسودان، من خلال مكتب البنك الإقليمي في نيروبي، فيما تُدار العلاقة المؤسسية مع البنك عبر إدارة التعاون الدولي بوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي.
ولم تخلو العلاقة بين السودان وبنك التنمية الأفريقي من بعض اللحظات الإيجابية رغم التحديات. ففي عام 2017، قام رئيس البنك بزيارة رسمية إلى السودان، شملت عددًا من المشروعات الاقتصادية والصناعية الكبرى، وأعرب خلالها عن التزامه بالسعي لرفع الحظر المفروض على السودان، مؤكدًا تقديره للجهود المبذولة في ظروف بالغة التعقيد. كما زارت البلاد في وقت لاحق بعثة من تسعة مديرًا تنفيذيًا يمثلون الدول الأعضاء بالبنك، وقد أبدى أعضاء الوفد إعجابهم وانبهارهم بما حققه السودان في مجالات البنية التحتية، والطرق، والزراعة الحديثة، رغم الحصار والمقاطعة التي فرضتها عليه مؤسسات التمويل الدولية، وعلى رأسها بنك التنمية الأفريقي.
ومع ذلك، فقد ظل التعاون بين السودان وبنك التنمية الأفريقي يواجه تعثرًا كبيرًا منذ عام 1997، عندما فُرض الحظر على السودان نتيجة تراكم المتأخرات المالية وعجزه عن سداد ديونه المستحقة. وقد ترتّب على ذلك تعليق استفادة السودان من القروض والمشروعات التنموية التي يوفرها البنك، بما في ذلك برامج الدعم الفني والاستثمارات الإقليمية. ورغم الجهود المتكررة التي بذلتها الحكومة السودانية لاحقًا، من خلال تقديم مقترحات لسداد هذه الديون وجدولة المتأخرات، إلا أن الحظر استمر حتى عام 2021، مما حرم السودان فعليًا من الاستفادة من تمويلات ومبادرات البنك لأكثر من عقدين من الزمان، في وقت كان في أمسّ الحاجة إلى الدعم التنموي والمؤسسي.
وخلال فترتي الوزيرين الزبير أحمد الحسن وعوض احمد الجاز، سعت وزارة المالية إلى الوصول إلى اتفاق مع بنك التنمية الأفريقي يقضي بوضع آلية منتظمة لسداد الديون من خلال أقساط شهرية، في محاولة جادة لمعالجة الملف المالي العالق. ورغم شروع الوزارة في تنفيذ هذه الخطوة، قوبلت المساعي برفض من البنك، الذي استند إلى التزامه بتنسيق جماعي مع مؤسسات دولية مثل صندوق النقد والبنك الدولي. وقد اشترطت هذه الجهات أن تتم تسوية ديون السودان ضمن إطار جماعي يشمل جميع الدائنين في آن واحد، لا من خلال تفاهمات منفردة، وهو ما مثّل عقبة كبيرة في ظل عدم قدرة السودان على تحقيق توافق شامل مع كافة الأطراف المعنية، وتعقيد المشهد السياسي على الصعيدين الداخلي والدولي. من جانبها، رأت الحكومة السودانية أن هذا الشرط تعجيزي، ويكشف عن نوايا سياسية مبيتة تهدف إلى عرقلة أي مساعٍ لتسوية الوضع المالي والاقتصادي في البلاد.
كما حُرم السودان لفترة طويلة من الاستفادة من مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون (HIPC)، التي أطلقها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بسبب تراكم المتأخرات المالية، وعدم التوافق السياسي الدولي، خصوصًا من جانب الولايات المتحدة، إضافة إلى غياب الإصلاحات الاقتصادية المستوفية لشروط المبادرة. كما اسلفنا، فقد أصرّت المؤسسات الدولية على معالجة ديون السودان في إطار شامل مع جميع الدائنين، وهو ما تعذّر تحقيقه في ظل تعقيدات سياسية واقتصادية داخلية وخارجية.
وقد لعبت السياسة دورا كبيرا في ذلك اذ ان السودان قد وقع تحت ذلك الحظر الاقتصادي الاكبر الذي قادته امريكا منذ اوائل التسعينات علاوة علي الدور الذي قامت به امريكا وحليفاتها لتشديد الخناق علي السودان في المؤسسات الإقليمية الدولية السياسية منها والمالية.
لكن في عام 2021، حدث تحول محوري في هذا الملف؛ إذ تمكن السودان من تسوية متأخراته مع بنك التنمية الأفريقي، التي قُدّرت بحوالي 413 مليون دولار أمريكي. وقد تم تنفيذ ذلك عبر تمويل جسري قدمته المملكة المتحدة، مدعومًا بمنح من السويد وأيرلندا، في إطار ترتيبات دولية هدفت إلى إعادة دمج السودان في النظام المالي العالمي. ونتيجة لهذه الخطوة، رفع البنك العقوبات المفروضة على السودان، وأصبح بإمكانه مجددًا الوصول إلى التمويل والمساعدات الفنية من البنك.
وقد مثلت هذه التسوية خطوة حاسمة نحو تأهيل السودان للاستفادة من مبادرة HIPC، وهو ما تحقق جزئيًا في يونيو 2021، حينما أعلن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أن السودان أصبح مؤهلًا لتلقي إعفاءات من ديونه الخارجية، بعد أن استوفى الشروط الفنية والإصلاحية المطلوبة. ومن المؤسف، مع ذلك، أن الأوضاع السياسية اللاحقة بعد قرارات ٢٥ أكتوبر 2021، قد أعاقت استكمال هذه المسيرة.
وفي سياق الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى دعم الأمن الغذائي في السودان، وافق بنك التنمية الأفريقي في يونيو 2025 على حزمة تمويلية تبلغ 93.6 مليون دولار مخصصة لمكافحة انعدام الأمن الغذائي في ولايات الجزيرة وكسلا والشمالية ونهر النيل، وهي من أكثر المناطق تأثرًا بالحرب المفروضة علي البلاد منذ ابريل ٢٠٢٣. ويستهدف المشروع أكثر من 265 ألف أسرة زراعية صغيرة، بما يعادل نحو 1.6 مليون شخص، مع التركيز على دعم النساء والشباب. ويشمل هذا التدخل توفير بذور القمح المقاومة للجفاف، وأسمدة، وأنظمة ري تعمل بالطاقة الشمسية، بالإضافة إلى دعم سلاسل القيمة لما بعد الحصاد، وذلك ضمن إطار المرحلة الثانية من مشروع الطوارئ لإنتاج القمح، الذي ينفّذه برنامج الأغذية العالمي، بهدف رفع إنتاجية القمح من 2.5 إلى 4 أطنان للهكتار، وتعزيز قدرة المجتمعات الريفية على الصمود في وجه التغيرات المناخية والأزمات الاقتصادية.
ورغم فترة الجفاء الطويلة التي طبعت علاقة السودان ببنك التنمية الأفريقي بسبب تراكم المتأخرات، إلا أن التواصل لم ينقطع تمامًا، إذ واصل السودان الاستفادة من بعض المنح التي يقدّمها البنك للدول الأعضاء، لا سيما تلك الموجهة لدعم القدرات المؤسسية والإصلاحات الفنية.
كما حصل عدد من مشروعات القطاع الخاص السوداني على تمويلات مباشرة من البنك، تُمنح وفق معايير تجارية واستثمارية. ومن أبرز المستفيدين من هذه القروض شركة كنانة التي مولها البنك في عام 1990 بقرض قدره 42 مليون دولار أمريكي، مما ساعد في توسعة إنتاجها ليصل إلى 400,000 طن من السكر سنويًا. وفي عام 2018، وافق البنك على تمويل بقيمة 75 مليون دولار أمريكي لصالح مجموعة دال، بهدف تعزيز الصناعات الغذائية وتوفير أكثر من 2,000 فرصة عمل خلال 8 سنوات ما يعكس اهتمام البنك بتحفيز النمو من خلال الشراكة مع القطاع الخاص حتى في ظل تعثر العلاقة على المستوى السيادي.
كما ساهم البنك في تمويل دراسات جدوى وتقديم دعم استشاري لمشروعات بنية تحتية استراتيجية، في مجالات مثل الطاقة والمياه، بالتنسيق مع مكاتب إقليمية وشركاء دوليين. هذه الأنشطة المحدودة ولكن المتواصلة عكست رغبة البنك في الإبقاء على قنوات التعاون مفتوحة، ترقبًا لتحسن الأوضاع السياسية والمالية في البلاد.
ومن بين المشروعات التي دعمها البنك، نجد مشروعات البنية التحتية في قطاع النقل والطاقة، ودعم إصلاح السياسات الاقتصادية، وتمويل بعض برامج التدريب ورفع القدرات والدعم الفني. كما أسهم البنك في تمويل دراسات جدوى لمشاريع تنموية في دارفور وشرق السودان، ومبادرات لتمكين المرأة اقتصاديا في المجتمعات الريفية. إلا أن غياب تمويل فعّال خلال فترة الحظر جعل أثر البنك محدودًا مقارنة بما تحقق في دول أخرى بالمنطقة.
ويشكل مجلس المديرين التنفيذيين أحد أعمدة الحوكمة في بنك التنمية الأفريقي، إذ يتولى الإشراف على العمليات اليومية ومراجعة السياسات والقروض والمشروعات.
وتُنتخب المديرين التنفيذيين عبر آلية تعتمد على نسبة مساهمة الدول في رأس المال، وهو ما يمنح الدول ذات الأسهم الأكبر نفوذًا أوسع. ويتم تقسيم المقاعد بين الدول الإفريقية الأعضاء (الدول الإقليمية) والدول غير الإفريقية (الدول غير الإقليمية) مثل فرنسا، ألمانيا، اليابان، والولايات المتحدة. وغالبًا ما تتشكل تحالفات بين الدول ذات الأسهم الصغيرة لانتخاب مدير تنفيذي مشترك يمثلها في المجلس. فالسودان مثلا يقع في مجموعة تضم غانا وسيراليون وليبيريا وغامبيا ويتم اختيار المدير التنفيذي ومساعديه بطريقة دورية توافقية كل ثلاثة سنوات من بلد من البلدان التي تمثل المجموعة.
ويتم ترشيح المدير التنفيذي وإجازته كل ثلاث سنوات، خلال اجتماعات مجلس المحافظين، وهو أعلى سلطة تقريرية في البنك، ولا يكون المدير التنفيذي موظفًا في البنك، بل يُنتخب بوصفه ممثلًا لدولته أو لتحالف عدد من الدول، وفي العادة يكون موظفا في درجة قيادية بوزارة المالية في دولته.
ويمتلك مجلس المديرين التنفيذين صلاحيات رقابية مهمة، منها مراجعة المشروعات المقترحة، والموافقة على التمويلات، ومتابعة أداء الإدارة التنفيذية وعلى رأسها رئيس البنك. ورغم أن رئيس البنك يُنتخب بشكل مستقل من قبل مجلس المحافظين، فإن المديرين التنفيذيين يملكون دورًا رقابيًا عليه، ويشاركون في رسم وإجازة السياسات العامة للبنك.
في ٢٩ مايو 2025، شهد البنك حدثًا مهمًا تمثل في انتخاب الاقتصادي الموريتاني سيدي ولد التاه رئيسًا جديدًا للمؤسسة، خلفًا للنيجيري أكينومي أديسينا. وحصل ولد التاه على نسبة 76% من الأصوات بعد ثلاث جولات من التصويت، ما يعكس توافقًا واسعًا بين الدول الأعضاء. وكان الرئيس الجديد للبنك قد شغل منصب المدير العام للبنك العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا ومقره في الخرطوم، ويُعد ولد تاه صاحب خبرة إقليمية معتبرة في مجال التمويل والتنمية الاقتصادية.
وفي الختام، يمكن القول إن تجربة السودان مع بنك التنمية الأفريقي تُعد نموذجًا واضحًا لتداخل الأبعاد الاقتصادية والسياسية في صياغة العلاقة بين الدول والمؤسسات الإقليمية. فعلى الرغم من أن هذه المؤسسات ترفع شعارات الحياد والشفافية، وتُعلن التزامها بالفصل بين الاقتصاد والسياسة، إلا أن الواقع أثبت أن التأثيرات الجيوسياسية تلعب دورًا حاسمًا في تحديد فرص الدول داخلها.
ورغم الدور المحوري الذي لعبه السودان في تأسيس البنك، لم يتمكن من الاستفادة الكاملة من هذه المؤسسة، لا بسبب ضعف القدرات وحده، بل نتيجة تحديات داخلية معقدة وضغوط خارجية فاعلة حالت دون تكامل العلاقة وتطورها. ومع تصاعد التطلعات منذ عام 2019 نحو إعادة دمج السودان في النظام المالي الدولي، تبرز فرصة جديدة لإرساء شراكة أكثر نضجًا مع البنك، تقوم على أسس من الحوكمة، والمهنية، والمصالح المتبادلة.
وفي هذا السياق، يبدو أن السودان – بحكوماته المتعاقبة، وقطاعه الخاص، بل وحتى نخبته الأكاديمية والباحثين عن فرص في المؤسسات الدولية – لم يُولِ بنك التنمية الأفريقي ما يستحقه من اهتمام، كمؤسسة إقليمية عريقة شارك في تأسيسها وله فيها حقوق مكتسبة. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل السياق العام؛ فالسودان في العقود الأربعة الماضية عاش ظروفًا قاسية، أشبه بأسد جريح تكالبت عليه الضباع، ما جعل التركيز على مثل هذه المؤسسات أمرًا ثانويًا في خضم العديد من الصراعات السياسية والاقتصادية التي تعج بها الساحة الدولية.

مقالات ذات صلة