*حي العقدة وظاهرة النفاق الاجتماعي* *بكرى خليفة*

حي العقدة من الأحياء العريقة بمدينة كريمة بشمال السودان، يغلب على هذا الحي العريق الطابع التقليدي في التداخل بين مكونات الحي، فغالبية سكان الحي تربطهم صلة القرابة مع بعضهم البعض أو صلة النسب، لكن يلاحظ على الحي كغيره من الأحياء في كثير من مدن السودان العديد من الصفات السالبة بعضها متوارث وبعضها جديد بفعل الحداثة والتطور.
نريد في هذا المقال أن نفرد الحديث عن واحدة من العادات السيئةالمتفشية التي اسميتها (النفاق الاجتماعي) وهي أن الغالبية العظمى من سكان الحي اذا مرض شخص من أهل القرابة سواء كانت من الدرجة الأولى أو الثانية أو حتى الجيران والمعارف أكثر ما يقوم به الغالبية من الأهل هو زيارة المريض في المستشفى أو في البيت، ثم يحرص أن يقول من خلال الونسة ومجالس الحديث أنه قد زار فلان ويمكن أن يصف لك حالته المرضية، بل وحتى يمكن أن يصف لك الروشتة التي كتبها له الطبيب، ثم بعد ذلك يعتقد أنه قد قام بمهمته وانجزها على أكمل وجه وعداه اللوم، ويذهب لينام على سريره ملء جفونه.
وإذا قدر الله أن هذه الحالة قد توفاها الله فاصحاب (النفاق الاجتماعي) يحرصون على الذهاب إلى المقابر ومنزل المتوفي مبكرا ليكونوا حضَورا في كافة تفاصيل المشهد، وكما قال أحدهم مازحا (يدفنوك دفن تاني لو فكرت تمرق ما تقدر)
ونحن هنا لا ننكر الجانب الديني المهم في حضور المقابر وتشييع المتوفي والأجر والثواب الكبير الذي يوازي جبل أحد إلا أن ذلك في تقديري الخاص يدخل أيضا في ظاهرة (النفاق الاجتماعي) يعني شوفوني أنا جيت وحضرت الدفن والتشييع، وبالطبع ليس الجميع يقعون في النفاق الاجتماعي، ولكن هناك القليل مما رحم ربي، وهناك أيضا من يحرص على أن يأتي بصينية وسيرمس الشاي لعزاء المتوفي سواء كان في المسجد أم في البيت.
نقول إن كل ما سبق عمل جميل لكن كان من المفترض أنه منذ أن مرض الشخص أن يتم تفقده، والسؤال عنه وزيارته، فنحن في ظروف اقتصادية سيئة أصلا منذ سنوات وساءت بعد اندلاع الحرب التي أفقرت المجتمع السوداني وساوت بين طبقاته في الفقر والعوز، وضاعفت تكاليف الحياة وأرهقت جيب المواطن خاصة عند المرض ابتداء من دخول المستشفى وتكاليف اليوم الواحد من الإقامة والأدوية أما إذا تقرر اجراء عملية فقد يضطر الكثيرين لبيع ممتلكاتهم في حالة عدم تمكنهم من توفير هذه المبالغ، وكان يمكن لأصحاب (النفاق الاجتماعي) أن يحرصوا على تفقد أحوال هؤلاء، ومعرفة تكاليف العلاج بالمستشفى والمساهمة في توفيرها، فنحن بالرغم من كثير من هذه السلبيات الا أننا مجتمع متكافل جدا في الملمات إلا أن هذه الظاهرة الجميلة في طريقها للاندثار وقد اشتهرت مجتمعات الشمالية بالعون الذاتي والنفير والفزع في كل شي ابتداء من تشييد المرافق العامة من مدارس ومستشفيات ومدارس بجهد المواطنين و المغتربين الذين لم ينتظروا الدولة لتقدم لهم هذه الخدمات، وهذا ما ميز الشمالية عن غيرها من الولايات.
أقول لأصحاب (النفاق الاجتماعي) الأولى ليس دفن الميت فلا يوجد ميت ذهب على آلة حدباء محمول ثم عاد لأنه لم يجد من يدفنه، أيضا أن تعود المريض ثم تعود إلى بيتك كأنه لا يعينك أو أنك قمت بالواجب فهذا تقصير كبير، علينا أن نتفقد أحوالهم و نسأل عن حاجاتهم وأن نبادر لمد يد العون فالكثير يستحي أن يطلب، والجميع يعرف حاجة الناس في هذه الظروف العصيبة، علينا أن نسعي لسد الحاجة كل بما يستطيع ولنردم الهوة و الفجوة التي تتسع يوما بعد يوم في مجتمعاتنا التي عصفت بها العواصف فتشتت شملها وتقزمت، والخوف كل الخوف أن ياتي يوم تكون الزيارة عبارة عن رسالة عبر (الواتساب) أو بكاء على ميت في تسجيل صوتي على شاكلة (ساميااااااااا).

مقالات ذات صلة