عمر الحسين محمد خير، أديب كبير، شاعر وكاتب، وباحث عميق متعمق، من نوري شمالي السودان، وهي منطقة غنية بكل أسباب الإلهام والإبداع، فهي من حيث (السياحة الأثرية) تضم أكبر عدد من الطرابيل في مكان واحد، إهرامات نوري هي الأكثر عدداً.
من حيث (سياحة الطبيعة) فيها النيل الخالد، وفيها أجمل بساتين النخيل والمانجو.
من حيث (السياحة الثقافية والمعرفية) فهي موئل أسر دينية عريقة، منهم (الكوارير) خلوة الكاروري الأول. كذلك (الحواجنير) كذلك (العراقاب) وهم من أقدم أهل العلم في السودان، وقد تأثر حاج الماحي بالعراقي الكبير، الذي تفرعت فروعه في المقل، والنيل الأبيض وحفيده مؤسس (ود الزاكي) وفي كوستي، وفي (أم دم حاج أحمد) و(المجانين) في المذروب بشمال كردفان، وغيرها، ومن أحفادهم رئيس القضاء الأسبق العالم حافظ الشيخ الزاكي، وغيرهم. كما ازدحمت نوري بنجوم من أهل الفن والأدب والشعر، منهم علي سند، صديق محمد طه، والفنان معتصم إبراهيم، والكاتب إبراهيم أحمد الحسن، وغيرهم، لكن يبقى شاعر الشعب الأشهر، محمد الحسن حسن سالم حميد، أشهر الرموز الذين أنجبتهم نوري.
لذلك، لاغرو، أن يأتي من نوري الرمز الكبير عمر الحسين محمد خير، الذي عاش جزءً من نهايات الصبا وبدايات الشباب في الأبيض، وهناك درس المرحلة الثانوية بمدرسة خورطقت الثانوية، وعمل موظفاً ببنك التجارة الخارجية (بنك الخرطوم حالياً) ويقال كانت له علاقة حب وغرام بإحدى قريباته، وقد أنفق عاطفته ومشاعره لأجل هذه العلاقة، لكن، لم يكتب الله لها أن تكلل بالزواج، فشكلت له صدمة، وقرر إغلاق هذه الصفحة في حياته، وقد كان! فقد قضى عمره ولم يتزوج.
أنجز الباحث عمر الحسين أهم عملين عظيمين من تراث المنطقة، بالجمع والتحقيق والشرح، هما (ديوان حاج الماحي) شيخ المداح في السودان، مُفجّر ورائد الإلهام في مدح الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. و (ديوان حسونة) شاعر العمد والأكابر. وهذا عمل شاق ومضنٍ، وقد بذل الباحث الكبير جهداً دؤوباً ليكون هذين الديوانين المهمين في متناول الدارسين وعموم القراء والمهتمين.
رغم أنه لم يصدر ديوان للراحل الكبير، لكن من المتداول، القليل، يتضح انا جلياً، أنّ الشاعر عمر الحسين الشعر على طريقة كبار الشعراء، من حيث
قوة الملكة الشعرية، وقوة العارضة، وجزالة اللفظ، جمال وحلاوة النظم، ومن أشهر قصائده، قصيدته التي كانت ضمن مقرر طلاب المدارس المتوسطة، في تأييد (ثورة مايو) التي حشدت الرأي العام لمناصرتها وهي تطرح تنمية الريف ومضاعفة الانتاج، يقول فيها:
نعم لبيك يا وطني
نعم لبيك يا وطني
وحداؤك يملأ الأكوان
شق دجنة الزمن
وحبك بسمة الأسحار
أعشقها وتعشقني
****
أيا مايو أيا طفلاً سماوياً
على الأيدي حملناه
ويا ركبا بطولياً
تدق الصخر كفاه
تقدم أن في التاريخ
حرفاً ما كتبناه.
ومعروف أنّ الراحل قد اختلف مع (مايو) وذاق سجونها. كانت للراحل صلات وثيقة مع كبار العلماء والأدباء والباحثين، منهم العلامة الكبير بروفيسور عبدالله الطيب، وقد كانت علاقتهما علاقة أصدقاء، بينهما أنس و ود وجلسات صفاء تجمعهما وآخرين في منزل البروفيسور رحمه الله.
يتصف الراحل عمر الحسين، بأنه كان حاد الطبع، صارم في تعاملاته مع الآخرين، في المواعيد ونحوها، مما تتسع فيه مساحات المجاملة بين الناس، لكنه كان صعباً لايجامل ولايتردد في تغليظ القول متى مابدر ممن يستحق ذلك في قانونه الصارم. ربما لم يستوعب كثير من الناس أنه صرامته الزائدة في مهمته كباحث، وقد أوشك على أن يغلق على نفسه، فلا يستقبل أحداً إلا بمواعيد مسبقة، وهذا سبب وفاته وحيداً في عمارة بشرق النيل (حلة كوكو)..فقد أنهك جسده المتعب بالقراءة والبحث.
تظل قصيدته الخالدة (شدولك ركب) من أميز وأروع ماكتب في باب الحماسة، وقد شهرها الفنان سيدخليفة بلحن متميز وأداء حماسي طروب، وقد أداها في تمجيد الرئيس نميري، في حضوره، وبعد أن عرف الشاعر عمر الحسين ذلك، ذهب إلى اتحاد الفنانين، ومنع الفنان من أن يؤديها مرة أخرى.
رحم الله الشاعر الأديب والباحث الكبير عمر الحسين محمد خير، نسأل الله له الرحمة والمغفرة والرضوان الأكبر، ونسأل الله أن يكرمه بأفضل مايكرم به عبداً من عباده.
آمين.
*ضرغام الرجال*
شدو لك رِكب
فوق مهرك الجماح
ضرغام الرجال
الفارس الجحجاح
تمساح الدميرة
الما بيصده سلاح
المال ما بيهمك إن كتر وإن راح
***
بطناً جابتك
والله ما بتندم
ويا أسد الكداد
الفي خلاك رزم
ويا رعد الخريف
الفوق سماك دمدم
بابك ما اتقفل
ونارك تجيب اللم
وما بتعرف تقول
غير استريح حرم
***
أبواتك قبيل
بيحلوا للعوجات
ومطمورتك تكيل
للخالة والعمات
وفي الجود والكرم
إيديك دوام بارزات
ويا أب قلباً حديد
في الحوبة ما بتتفات
***
صدرك للصعاب دايماً بعرف العوم
وفي وسط الفريق
في الفارغة ما بتحوم
لا تتلام ولا بتعرف تجيب اللوم
تفخر بيك بنات البادية والخرطوم