*بقلم: د. حسن عبدالرحيم حسن ابوعجاج*
*استاذ التخطيط الاستراتيجي*
مقدمة:
تشكل العلاقات بين جمهورية السودان وجمهورية مصر العربية نموذجًا مميزًا للتكامل الإقليمي القائم على الروابط الجغرافية والتاريخية والثقافية العميقة.
ومع تنامي التحديات الإقليمية والدولية، أضحت الشراكة الاستراتيجية بين البلدين أمرًا ضروريًا لتعزيز الأمن القومي المشترك، وتحقيق التنمية المستدامة، ومجابهة التدخلات الخارجية، وتوظيف الإمكانات الكامنة لدى البلدين في خدمة شعبيهما والمنطقة ككل.
أولًا: التكامل الاقتصادي – من التعاون إلى الاندماج الهيكلي.
يعد التكامل الاقتصادي بين مصر والسودان حجر الزاوية في العلاقة الاستراتيجية، نظرًا لما يتمتع به البلدان من موارد طبيعية وبشرية تكمل بعضها البعض.
مصر تمتلك قاعدة صناعية متقدمة، وسوقًا كبيرة، وبنية تحتية مصرفية وخدمية قوية، فيما يزخر السودان بأراضٍ زراعية شاسعة، ومياه وفيرة، وثروات معدنية ونفطية.
• التبادل التجاري بين البلدين شهد نموًا نسبيًا، إلا أنه لا يزال دون الطموحات.
المطلوب هو الانتقال من التجارة التقليدية إلى الشراكات الاستثمارية المشتركة، خاصة في مجالات الزراعة والصناعات التحويلية والتعدين.
• كما أن تطوير المناطق الحرة، وتسهيل حركة السلع والأفراد عبر المعابر البرية، وعلى رأسها معبر “أرقين”، سيعزز من حيوية الربط الاقتصادي ويسرع وتيرة الاندماج.
ثانيًا: التعاون في مجالي الدفاع والأمن القومي.
تشترك مصر والسودان في حدود جغرافية طويلة، وتواجهان تهديدات أمنية متعددة، أبرزها الإرهاب، الجريمة المنظمة، والهجرة غير النظامية، إلى جانب التحديات المرتبطة بأمن البحر الأحمر وقضايا المياه.
• التنسيق العسكري بين البلدين شهد تطورًا في شكل مناورات وتدريبات مشتركة وتبادل للمعلومات الأمنية.
• هذا التعاون لا يقتصر على الجوانب الأمنية فقط، بل يمتد إلى تشكيل رؤية موحدة للأمن الإقليمي، خاصة في ظل تزايد التهديدات الخارجية والتدخلات في الشؤون الداخلية للدول الإفريقية.
ثالثًا: العلاقات الخارجية ومواقف القوى الدولية.
تواجه كل من السودان ومصر مشهدًا دوليًا معقدًا، يتسم بتزايد تنافس القوى الكبرى على النفوذ والموارد، لا سيما في منطقة القرن الإفريقي والساحل.
• الشراكة الاستراتيجية تقتضي تنسيقًا دبلوماسيًا عالي المستوى في القضايا الإقليمية مثل سد النهضة، أمن البحر الأحمر، وقضايا المياه العابرة للحدود.
• كما ينبغي تعزيز الحضور المشترك في المحافل الإقليمية (كالإيغاد، والاتحاد الإفريقي) والدولية (الأمم المتحدة، البنك الدولي) لتقديم موقف موحد يخدم مصالح البلدين.
رابعًا: التبادل الثقافي والتعليم والصحة.
يشكل العامل الثقافي ركيزة أساسية في بناء الثقة الشعبية بين البلدين:
• من الضروري توسيع برامج التبادل الطلابي والتعاون الأكاديمي بين الجامعات السودانية والمصرية.
• على صعيد الصحة، يمكن تنفيذ مشروعات توأمة بين المستشفيات، وتبادل الأطباء والكوادر الصحية، خاصة في ظل التجارب المتقدمة لمصر في الرعاية الصحية والتحول الرقمي الصحي.
• كما أن التعاون الإعلامي والثقافي يسهم في بناء صورة ذهنية إيجابية لدى الشعوب، ويقوي الانتماء الإقليمي.
خامسًا: البنية التحتية والربط الجغرافي.
الربط بين السودان ومصر يتطلب استثمارات استراتيجية في مشروعات البنية التحتية:
• تطوير الطرق المعبدة والسكك الحديدية، لا سيما خط أسوان–وادي حلفا، سيمثل نقلة نوعية في التكامل اللوجستي.
• الربط الكهربائي والموانئ المشتركة على البحر الأحمر تعزز من القدرة التنافسية الإقليمية وتفتح آفاقًا جديدة للأسواق الإفريقية والآسيوية.
خاتمة: نحو نموذج شراكة متكاملة
إن الشراكة بين السودان ومصر لم تعد خيارًا، بل ضرورة استراتيجية تستدعي إرادة سياسية متماسكة، وخططًا تنفيذية واقعية، ورؤية بعيدة المدى قائمة على المصالح المشتركة والمصير الواحد.
في ظل عالم مضطرب وتغيرات جيوسياسية متسارعة، فإن نجاح هذا النموذج الثنائي في التكامل والتنمية والأمن المشترك، يمكن أن يقدم إطارًا يحتذى به لبناء تحالفات تنموية مستقلة في القارة الإفريقية، قائمة على الاحترام المتبادل والتخطيط العلمي الرشيد.