هناك قاعدة في كرة القدم تقول: التشكيل الذي تغلب به، العب به — أي: اللاعبين القادرين على تحقيق الانتصار هم أحق باللعب من غيرهم. وفي العسكرية، هناك قادة عرفوا بالحنكة والشجاعة وحسن التخطيط ومكر التنفيذ. وفي تجربة القوات المسلحة الطويلة منذ حرب توريت 1955 وحتى سقوط الفاشر، قاد المعارك في الميدان رجال كثيرون. وفي ظروف القسوة والابتلاء وسقوط المدن تَفرِض الحاجة على القيادة أن تدفع برجالها من المقاتلين — ما يُعرف بقوات النخبة — لكبح جماح المليشيا التي نَفَخت فيها مفاوضات واشنطن روحًا خاطئة وظنت أنها قادرة على العودة إلى ما قبل تحرير نصف السودان. وهي الآن في حالة هياجٍ لن تُخمد جذوته إلا إذا دفعت قيادة الدولة بسلاحها الفتَّاك، ممثَّلاً في ضباط كبار مسنودين بوضعية دستورية تجعلهم صناع قرار في الدولة، وليس مجرد قادة متحركين مثل الفارس أنور الزبير والمقاتل حسن درمود وعبدالله كافي واللواء قنديل قائد الفرقة الخامسة مشاه الهجانة.
الآن أمام القيادة، إذا كانت تريد نصرًا عاجلاً على المليشيا، لا بد من تكليف أحد الفريقين المقاتلين — شمس الدين كباشي أو الفريق ياسر العطا — بقيادة قوات الردع التي تنطلق لتحرير الأرض وكبح جماح التمرد. لا تفضيل لدي بين شمس الدين كباشي وياسر العطا؛ فكلٌّ منهما على قدرٍ من المعرفة بخبايا القتال، والشجاعة، والتجربة الثرة، والتاريخ الناصع. وقبل كل ذلك، التوفيق والنصر هو من عند الله وحده.
شمس الدين كباشي يمثل ثقلًا كبيرًا داخل القوات المسلحة، وله من نخبة الضباط القادرين على التخطيط للمعارك والشجاعة في خوض الحرب. أما ياسر العطا فقد عرفته في حرب الجنوب وجبال النوبة ضابطًا جَسورًا؛ زرع الخوف كغريزة فطرية، وكان نصيبه منها قليلًا، وقاد عمليات تحرير الخرطوم حتى أُطلق عليه «ياسر الجَاسِر». وظل يطلق التصريحات التعبوية التي تُلهِب حماس المقاتلين في الميدان حتى أُرغم على الصمت من القيادة — وهي بداية الانحدار الذي نعيش مرارته الآن.
في الليالي المظلمة لا خيار غير العودة إلى رجالٍ ما خانوا البرهان يومًا؛ مصيرهم مصيره وولاؤهم ليس محلَّ شك. وشهدنا كيف كان لزيارة الفريق شمس الدين للأبيض لمدة أربعة أيام أثرها في تنظيم القوات المسلحة وتعبئتها لقتال التمرد، وقد شحن ذلك بطاريات الجنود حتى تحررت بارا التي سقطت لغياب القيادة الفاعلة عن ميدان المعركة. وحتى قادة الجنجويد هم الآن من يقودون المعارك، وعبدالرحيم دقلو كان في مقدمة القوات التي دخلت الفاشر؛ ومع ذلك فإن عبدالرحيم دقلو لا يَسْوى غرزة في نعل الفريق شمس الدين كباشي أو الفريق ياسر العطا.
أصبح وجود هؤلاء القادة في الأبيض وكوستي وحتى أم روبة ضرورة حتى يتحقق الانتصار الذي وعد به الفريق البرهان في خطابه يومَ أمس الأول. وأول مقومات الانتصار هي: وجود قيادة فاعلة في ميدان المعركة، ثم تعبئة الشعب ورفع روحه المعنوية، وتشكيل وحدة إعلامية لإدارة الإعلام العسكري والسياسي بما يواكب مرحلة يخوض فيها السودان حربًا وجودية، كما قال المارشال مني أركو مناوي في خطابه البليغ والرَصين أمس.




