*حيدر معتصم مدني ⭕سلسلة مقالات في فكر الثورة: 📍*المقال* :(1-10 )*

♦️حوارات حول الأفكار(174 )
✍️حيدر معتصم مدني

⭕سلسلة مقالات في فكر الثورة:

📍*المقال* :(1-10 )

*الثورة بين الإرادة الشعبية و* *بناء المؤسسات : من لحظة* *الإنفجار إلى لحظة التأسيس*

*مقدمة* :
كثيرًا ما تُقرأ الثورات بوصفها انفجارات غضب جماهيري، لكنها في جوهرها لحظة تتجاوز العاطفة إلى إعادة تعريف الشرعية. وفي الحالة السودانية تحديدًا، لم يكن الإشكال يومًا في قدرة الشعب على الثورة، بل في قدرة المؤسسات الاجتماعية على حماية الإرادة الشعبية من الاختطاف، وتحويل الثورة من حدث آني إلى مشروع بناء طويل المدى.
هذا المقال يمثّل المدخل الفكري لسلسلة مقالات تهدف إلى تفكيك السرديات الزائفة حول الثورات السودانية، وإعادة بناء فهم جديد يقوم على مركزية المجتمع، لا الأحزاب، في تعريف مستقبل الدولة.

أولًا: لحظة الثورة… حين تسقط وصاية الأحزاب

الأحزاب – بكل ما تمتلكه من أدوات تنظيمية وأيديولوجية – تستطيع التأثير على أفراد أو مجموعات صغيرة تعمل ضد مصالحها، لكنها في لحظة الثورة تصبح بلا قدرة على هندسة الإرادة الجماعية.
وهذه واحدة من أهم حقائق علم الاجتماع السياسي:
الإرادة الشعبية حين تبلغ نقطة اللاعودة تتحول إلى قوة تاريخية لا يمكن لأي تنظيم احتواؤها أو إعادة توجيهها.

في هذه اللحظة تحديدًا:

ينهار الانضباط الحزبي

تتفكك الولاءات الأيديولوجية

ويظهر الشعب بوصفه “الكتلة التاريخية” التي تصوغ مسار الدولة، ولو مؤقتًا

إن الثورة، بهذا المعنى، هي إعلان صريح من الشعب بأن السقف الذي بنته الأحزاب لم يعد يمثل طموحه، وأن الشرعية قد انتقلت لحظيًا إلى ميدان عام مفتوح بلا وسيط.

ثانيًا: المشكلة ليست في الثورة… بل في ما قبلها وما بعدها

قد يقود الشعب ثورة عظيمة، لكنه يفشل في حماية مكتسباتها حين يغيب السند المؤسسي الذي يضمن:

استدامة الوعي

حماية مصالح المجتمع

توليد عقد اجتماعي جديد

وهو ما حدث في كل الثورات السودانية السابقة:
ثورة بلا مؤسسات = ثورة قابلة للاختطاف.
ولذلك تكررت الدورة نفسها منذ الاستقلال:
يغضب الشعب → يسقط نظامًا → تقفز النخب → تتحول الثورة إلى سلطة → يعود الشعب إلى الصمت → ثم الانفجار من جديد.

هذه ليست صدفة…
هذه أزمة بنيوية في غياب المؤسسات الاجتماعية القادرة على تحصين الإرادة الشعبية.

ثالثًا: بناء المؤسسات قبل الثورة… الثورة الحقيقية التي لم تحدث بعد

الفكرة الجوهرية التي تنقلنا من السردية الأولى إلى الثانية هي أن المجتمع حين يعرف أهمية مؤسساته – المهنية، الأهلية، المدنية، المعرفية – يصبح قادرًا على حماية نفسه قبل الثورة وليس بعدها.

هذه المؤسسات تقوم بثلاث وظائف حاسمة:

1. حماية الوعي من التلاعب

لا يعود الشارع سهل الاستقطاب الحزبي أو الإعلامي، لأن لديه مرجعيات مجتمعية تحسم التعارض وتضبط الفوضى.

2. حماية المصالح العامة

تصبح النقابات، الاتحادات المهنية، الروابط، المراكز، والأجسام المدنية هي الحارس الأول لمصالح الناس، فتمنع تحويل الثورة إلى صراع صفوي.

3. إنتاج العقد الاجتماعي الجديد

بدل أن تُكتب الدساتير في الغرف المغلقة أو عبر محاصصات النخب، تُكتب عبر مؤسسات المجتمع التي تمثل الناس في حياتهم الواقعية، لا عبر إدعاءات التمثيل الحزبي.

وهنا تحديدًا يصبح بناء المؤسسات ثورة قبل الثورة…
ثورة هادئة، متدرجة، لكنها أعمق من أي انتفاضة عاطفية.

رابعًا: حين تلتقي الإرادة الشعبية بالمؤسسات… تصبح الثورة محصنة

حين تحدث الثورة في مجتمع يمتلك مؤسساته، لا يمكن لأي حزب أو نخبة أو قوة مسلحة أن تختطفها، لأن:

الوعي ليس هشًا

المجتمع ليس فراغًا

التمثيل ليس محتكرًا

الشرعية ليست معلقة في الهواء

بل توجد بنية مجتمعية تملك القدرة على الرقابة والضغط وإعادة التوازن.

في هذه اللحظة فقط تصبح الثورة:

مسارًا لبناء الدولة

لا مجرد حدث لإسقاط السلطة

ومسارًا للعقد الاجتماعي

لا معركة على السلطة الانتقالية

خامسًا: نحو مفهوم جديد للثورة السودانية :

ما يحتاجه السودان ليس ثورة جديدة…
بل “ثورة مؤسسات” تسبق أي انفجار جديد، تُعيد المجتمع إلى مركز القرار، وتؤسس لدولة يملكها الشعب، لا الأحزاب، ولا النخب، ولا القوى المسلحة.

والنظرية التي تطرحها هذه السلسلة تقوم على قاعدة بسيطة:

كل ثورة بلا مؤسسات ستُختطف
وكل مؤسسة بلا مجتمع ستتحول إلى نخبة جديدة،
لكن المجتمع حين يمتلك مؤسساته يمتلك دولته.

*خاتمة* :
هذا المقال يمثّل المداميك الأولى لسلسلة فكرية ستواصل تفكيك أزمة التمثيل السياسي، وتشرح كيف يمكن للمجتمع السوداني أن ينتقل من دائرة الانفجار إلى دائرة البناء، ومن فكرة الثورة الانفعالية إلى الثورة المؤسسية التي تؤسس لدولة راشدة… نواصل
13 أكتوبر 2025

مقالات ذات صلة

Optimized by Optimole