*هجليج… حين رفعت المليشيا السكين على حلفائها قبل خصومها*

في هجليج لم يُقتل فقط أفراد من الإدارات الأهلية…
في هجليج قُتل وهمٌ سياسي كامل
وهمٌ صنعته المليشيا وروّجته لسنوات
أنها حامية القبائل
ودرع دارفور
والقوة التي يمكن أن تستند عليها الإدارات الأهلية لتستعيد نفوذها.

لكن الحقيقة اليوم واضحة وقاسية وصادمة. المليشيا لا تحمي أحدًا… المليشيا تأكل من يقف معها قبل من يقف ضدها.

هذا ما أثبتته هجليج،
وهذا ما يعرفه كل من عاش داخل آلة القتل المليشياوية طوال العامين الماضيين.

لماذا هجليج؟ ولماذا الآن؟

لأن المشروع المليشاوي دخل مرحلة “الانهيار الداخلي”.
لأن القبائل التي استخدمتها المليشيا كوقود بدأت تفيق من غيبوبتها.
لأن الإدارات الأهلية التي كانت تُصفّق في الأمس بدأت تسأل اليوم:
كم من شبابنا مات؟ ولأي شيء؟ ولحساب من؟

والمليشيا—كما يعرفها الجميع
لا يمكنها احتمال سؤال واحد.
لا تحتمل كيانًا خارج السيطرة.
لا تحتمل صوتًا أعلى من صوت “الأوامر”.

لذلك بدأت أولى خطوات مسلسلها الدموي:
تصفية القيادات التي بدأت تخرج من الوهم.

المليشيا تعرف أن الزمن تغيّر.
تعرف أن من تبقى لها من الحلفاء لم يعد كما كان.
تعرف أن خزان الدم الذي كانت تغرف منه بدأ يجف.
تعرف أن قبائل كاملة أصبحت كروتًا محروقة بعد أن فقدت أبناءها في معارك لا علاقة لها بأرضهم ولا تاريخهم.

وما دامت الكروت احترقت…
فما فائدة حامليها؟
بالنسبة للعقل المليشياوي: لا شيء.
والـ”لا شيء” يُدفن سريعًا.

التصفية… ثم الكذب… ثم تعليق الجريمة على الجيش

الجريمة في هجليج لم تحدث في الظلام فقط…
حدثت بذاكرة المليشيا وتوقيعها وطريقتها القديمة المعروفة:

أولًا اختيار الضحية بعناية — زعامة أهلية بدأت تفتح عينها.
ثانيًا تنفيذ التصفية بسلاح داخلي.
ثالثًا إصدار بيان رخيص لتحميل الجيش المسؤولية.

هذا هو أسلوب العصابات.
وهذا هو الدليل الأكبر على أن المليشيا محاصَرة بالخوف،
خوف من الداخل أكثر من خوفها من الجيش.

لو كانت المليشيا متماسكة…
لو كانت مطمئنة…
لو كانت تشعر أن الإدارات الأهلية تحت قبضتها…
لما احتاجت لقتلها.
ولما احتاجت لتلفيق التهمة للجيش.

لكن الخوف هو أصل كل شيء.
خوف من الانشقاقات.
خوف من التمرد الداخلي.
خوف من أن يصبح من كانوا معها شهودًا ضدها.
خوف من أن ينقلب الوعي القَبَلي عليها كما انقلب السلاح على خصومها.

القبائل لم تعد حطبًا

المليشيا كانت تعتقد أن رصيدها من القبائل غير قابل للنفاد…
وأن شباب القبائل سيستمرون في الموت لأجل “مشروع آل دقلو العائلي” بلا مساءلة.
لكن ما حدث في هجليج اليوم يُشبه أول دق ناقوس حقيقي:

القبائل تستفيق.
الإدارات الأهلية تسأل.
العائلات بدأت ترفض دفن أبنائها في صمت.

والأخطر؟
أن الأصوات داخل الصفوف المليشياوية نفسها بدأت تتساءل عن مصيرها.

عندما يموت الشباب…
تُدفن القبيلة.
وعندما تُدفن القبيلة…
يُدفن معها حلفها.
والمليشيا الآن فقدت آلافًا من أبناء تلك القبائل التي كانت تسميها “درعها”.
ولكنها في الحقيقة كانت “خزان الدم” الذي تطحنه ثم تبحث عن غيره.

اليوم… لم يعد هناك غير الرماد.
والرماد لا يُقاتل.
ولا يُطيع.
ولا يُباع.

لماذا تحاول المليشيا تعليق جريمتها على الجيش؟

لأنها تعرف أنها مكشوفة.
تعرف أن معركتها الإعلامية أخطر الآن من معركتها العسكرية.
تعرف أن الإدارة الأهلية إذا أيقنت أنها قُتلت بأيدي المليشيا…
فالعلاقة ستنتهي.
والقبيلة ستتمرّد.
والوعي سيتحول إلى ثأر.
والثأر حين يُولد… لا يعود إلى القبر.

تحاول المليشيا إلصاق التهمة بالجيش،
لكن السؤال الذي يضحك الحجر:

هل يدخل الجيش إلى مناطقهم وينفذ تصفية داخلية وهم أصحاب الوجود الكامل؟
هل الجيش يعرف اجتماعات الإدارات الأهلية وتوقيتها ن؟
هل الجيش يستفيد من قتل حليفكم أكثر منكم؟

لا.
المليشيا وحدها المستفيدة.
المليشيا وحدها القادرة.
المليشيا وحدها المعتادة على الطعن في الظهر.
المليشيا وحدها التي لديها سجل طويل في تصفية كل من بدأ يشك في نواياها من داخل بيتها.

وهجليج هي الحلقة الجديدة من المسلسل نفسه الذي بدأ منذ

مشروع آل دقلو… المشروع الذي يأكل كل شيء

المليشيا ليست حركة سياسية.
وليست قوة تمثل إقليمًا.
وليست جيشًا بديلًا.
وليست حاميًا لمجتمع.

المليشيا مشروع عائلي،
يقوم على معادلة واحدة فقط:
إما أن تخضع… أو تُصفّى.
إما أن تهتف… أو تُدفن.
إما أن تمدح… أو تُمحى.

لا شركاء.
لا حلفاء.
لا أصوات.
لا قيادات قبلية يمكن أن تقف على قدمين داخل هذا المشروع.

وحين شعر آل دقلو بأن بعض الإدارات الأهلية بدأت تخرج من ظلهم…
قرروا تنفيذ الحل الذي يجيدونه:
الرصاص بدل الحوار.
القتل بدل النقاش.
الجنازة بدل الخلاف.

الخلاصة الكبرى… التي يحاولون الهروب منها

هجليج ليست حادثة.
هجليج ليست خلافًا داخليًا.
هجليج ليست عملية “تمرد” كما سيكتب إعلام المليشيا غدًا.

هجليج علامة النهاية.

نهاية التحالفات الوهمية.
نهاية رصيد القبائل.
نهاية ثقة الإدارات الأهلية.
نهاية قدرة المليشيا على السيطرة عبر الخداع.
نهاية المرحلة التي كان فيها الدم القبلي مفتوحًا بلا حساب.

وهجليج رسالة لكل من بقي معهم:
دورك سيأتي.
ليس لأنك خائن…
بل لأنك لست من آل دقلو.

هذه هي الحقيقة التي يحاولون دفنها تحت كومة بيانات كاذبة.
لكن الدم لا يكذب.
والجثث لا تتجمّل.
وتاريخ العصابات لا يخطئ وجهته.

وما دامت المليشيا قد بدأت بقتل حلفائها…
فاعلمو أن القادم لن يكون إلا سقوطًا داخليًا لا توقفه قوة على الأرض

مقالات ذات صلة

Optimized by Optimole