24/2/2024
نشرت الأستاذة زينب الصادق المهدي إفادة تاريخية بالغة الأهمية عن دور كل من أبيها بصفته رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس حزب الأمة، و دور اللواء فضل الله برمة ناصر بصفته عضو مجلس ثورة ابريل ووزير الدفاع. دورهما في تكوين الكتائب الشعبية والمليشيات القبلية خارج أطر الجيش النظامي المهني. وختمت إفادتها بالحديث عن لجنة حزبية من البرلمان اشتركت فيها الأحزاب الرئيسية الثلاثة، الأمة والاتحادي والجبهة، للتفكير حول تكوين الدفاع الشعبي، فكرته وقانونه. بدأ اللجنة عملها ولكنه لم يكتمل بسبب قيام انقلاب الإنقاذ.
*أهمية إفادات الاستاذة زينب*
لم تقدم الأستاذة زينب أي معلومة جديدة. لأن هذه المعلومات تاريخية وموثقة. ولكن تكمن أهمية إفادتها في أنها تمثل إعتراف ذاتي بالحقيقة المجردة، في زمن كثر فيه اللغط والتضليل حول أصل هذه القوات. لذلك وجدت مني افادتها كل التقدير والاحتفاء.
*الأسباب*
ما أوردته الأستاذة زينب صحيح ودقيق ويعكس الحقائق المحضة. حيث ذكرت أن تسليح القبائل جاء بطلب من القبائل نفسها. وأن هجوم الحركة الشعبية بقيادة قرنق، هو السبب الوحيد الذي حتم على القبائل البحث عن السلاح وعن الحماية وإنها إن لم تجد السلاح ولا الحماية فإنها ستضطر للإنضمام الى الحركة الشعبية. هذه الافادة توضح السبب الرئيسي في نشوء ظاهرة انتشار السلاح بين القبائل. وهو هجوم الحركة الشعبية على تلك القبائل في أحيائها السكنية.
*لماذا تلجأ الحكومة لتسليح القبائل*
ذكرت الاستاذة زينب، أن الحكومة بقيادة أبيها ووزير دفاعه برمه، قد اعترفت لتلك القبائل بعجزها عن توفير الحماية ولكنها عوضا عن ذلك ستوفر لها السلاح. في هذه الجزئية تقدم الأستاذة زينب تفسيرا لظاهرة أخرى، وهي ظاهرة لجوء الحكومة لتكوين المليشيات القبلية والشعبية غير النظامية. وهي بسبب العجز عن الحماية مع المقدرة على توفير السلاح. رغم انها لم توضح نوع وسبب هذا العجز. ولكن بعض الآراء تفسر ذلك وتقول بما أن العدو طبيعته مليشيا قبلية، لذلك لابد أن تواجه بمليشيا مماثلة. وان المهنية والعلمية والبيروقراطية والقوانين الداخلية للجيوش النظامية تعيقها كثيرا عن مواجهة المليشيات في حرب طبيعتها حرب العصابات التي تتطلب السرعة والخفة والجرأة والصلاحيات الواسعة في اتخاذ القرار الميداني وفي التعامل مع عدو هو نفسه لا يلتزم بقانون. وهو نفسه يستخدم الجريمة بمفهومها الواسع لفرض سيطرته .
*الدفاع الشعبي*
المعلومة الأخيرة التي ذكرتها الأستاذة زينب أن الحكومة المنتخبة بأحزابها ومن داخل قبة البرلمان شكلت لجنة من الأحزاب الثلاثة الكبيرة الفائزة. وطُلب من هذه اللجنة أن تؤدي مهام محددة وهي: 1/ دراسة فكرة انشاء قوات الدفاع الشعبي. 2/تقنينها بواسطة قانون خاص يتم عرضه على البرلمان. هذه المعلومة تفيد بأن الفكرة من حيث المبدأ تم حولها اتفاق أو اجماع بغض النظر عن الاختلافات السياسية أو الحزبية أو الآيدلوجية. وان الدولة استجابت للواقع وللضرورة الملحة، التي فرضت عليها تشكيل هذه القوات. وان هذا التفكير العملي أولا ليس ارتجالي إنما تمت دراسته بواسطة لجنة. وأن الفكرة ليست حزبية وانما تم إقرارها بصورة قومية من أحزاب الحكومة والمعارضة معا. وأن منشئها ليست الحكومات العسكرية فحسب، وانما حتى الحكومات الديمقراطية المنتخبة.
*انجازات اللجنة*
ذكرت الأستاذة زينب أنه تم التسليح الفعلي لتلك القبائل لكي تتمكن من الدفاع عن نفسها كأستجابة فورية للتحدي الماثل، وأن ذلك التسليح تم بتقنين وضوابط. إلا أن المعلومة المكملة، هي أن اللجنة المشار إليها قد أكملت عملها. فأجازت الفكرة، واكملت صياغة القانون وتم تسميته بقانون الدفاع الشعبي، وتم عرضه على البرلمان وأجازه البرلمان في مرحلتي القراءة الأولى والثانية. إلا أن القراءة الثالثة لم تكتمل بسبب قيام انقلاب الإنقاذ كما ذكرت زينب.
*الانقاذ*
إستمرت الانقاذ على ذات النهج الذي ورثته من الحكومة المنتخبة. فأخذت قانون الدفاع الشعبي من حيث توقف. واضافت إليه وأجازته بصورته النهائية. وحينما توسعت الحركة الشعبية في معاركها ونقلت الحرب إلى ولايات دارفور، توسعت حاجة القبائل في الحماية وانتشر التسليح وتطورت الفكرة إلى سلاح الحدود ثم إلى الدعم السريع الذي أجاز البرلمان قانونه في عام 2017م. أي ذات المليشيا لأداء ذات المهام بمزيد من الضوابط المحصورة في ذات النطاق الأمني والعسكري.
*بعد ثورة ديسمبر*
استمر دور حزب الأمة واللواء برمة وأبناء الصادق في التعامل مع الدعم السريع. ولكنهم وللمرة الأولى في التاريخ السوداني، حولوا طبيعته من عسكرية إلى سياسية. و حولوا أهدافه من الحماية الأمنية للمواطنين إلى رافعة للتسلق إلى كراسي السلطة وبقاء القيادات الحزبية فيها بلا انتخابات. ومن دوره كباطش للحركات المسلحة المتمردة، إلى مليشيا للبطش بالخصوم السياسيين، أستخدمت لمصادرة الصحف وإغلاق دورها واعتقال الخصوم واختطافهم وأخيرا شن الحرب على الجيش النظامي وعلى الدولة وعلى المواطنين واحتلال منازلهم وارتكاب أبشع أنواع الجرائم بما فيها الاغتصاب ودفن الناس أحياء. هذه هي قصة المليشيات التي بدأها الصادق المهدي واستخدمها لمساعدة الجيش في حماية المواطنين، واختتمها أبناءه واستخدموها في شحن الحرب على الجيش وعلى المواطنين.