*في ذكرى انتفاضة مارس ابريل ١٩٨٥ غَضبة “أبْ عاج” الأخيرة..! عبد الله الشيخ*

قبل ثلاثون عاماً ، و في مثل هذا اليوم، سقط نظام مايو..التحية لكل جندي مجهول شارك في صناعة الحدث.. وهذه مشاهد تُذاع لأول مرة، ومثلها كثير،ضاع في زحام الإدعاء..إحتشد شهر مارس 85 بإرهاصات النهاية الحتمية لنظام مايو.. ففي الأسبوع الأخير من ذلك الشهر خرج المشير النميري عليه رحمة الله ،بخطابٍ غضوب، اتّهم فيه “أُخوان الشيطان” بالتآمر على نظامه وباختراق الاتحاد الاشتراكي السوداني..كانت جامعة أم درمان الإسلامية حينها أهم القِلاع المُحررة بعد سقوط الإخوان الداوي في انتخابات اتحاد الطلاب، وكنا في مؤتمر الطلاب المستقلين، نرى أن حلفاءنا في الاتحاد،” الختمية والأنصار”، لا يمكن أن يذهبوا معنا إلى آخر المدى.. كنت مع عماد خليفة وأبو كساوي وود إبراهيم ومنير، كثيراً ما نتندر عليهم ونصفهم بأنهم “كهنوت” أو “كرادلة”، لا يستطيعون مغادرة سياق إيمانهم، إيمان العجائز..!
كان إدِّعاءاً عريضاً،أن نقدِّم أنفسنا أمةً وسطاً، بين “إفراط” الرجعية ممثلة في حلفاءنا، و”تفريط ” الجبهة الديمقراطية، التي كان زهرها يتفتح زاهياً في كلية البنات ، أكثر من كليات البنين، وكان هناك أيضاً، ناصريون نعم، بجمعيتهم العمومية ممثلةً في صديقنا “منتصر عبد الماجد”.. وقع الحدث الكبير قبل ثلاثة عقود بتحالف كافة القوى.. طافت في خاطري حكمة ألا نبخسَ الناسَ أشياءهم.. فمن كنّا نناديهم بـ “حزب الفتة “، استقطبوا حينها ثلة من الشباب الرائع، بينهم عبد الرحمن عبد القادر، المغيرة رملي، فتح العليم محجوب، طارق الجزولي، فكري كباشي.. إلخ.. وكان سلامة، والصادق عثمان، حمد الزناري، صلاح بريمة، ومحمد عبد الرحمن.. إلخ، هم قيادات شباب الأنصار.. فرغ النميري من خطابه الغضوب وسافر إلى غير رجعة، بعد أن أودع بعضاً من الإخوان في السجن..ومن هنا نبع إدّعاء المحبوب عبد السلام، في كذبٍ لا يليق،بأن الانتفاضة قامت من أجل عيون “أخوان الشيطان”، المسجونين بغضبة متأخرة وأخيرة للنميري..لقد عايشناهم وهم في السلطة، عندما كانوا عينها و جهاز أمنها.. وعشية سقوطها، رأينا بعض الذين “نفدوا” من السجن، وقد “حلقوا دقونهم”، خيبةً وازوراراً.. أسماءٌ لامعةٌ في هذه السلطة الراهنة، يا سيدي، أطاحت غضبة “أب عاج” بدقنيتها ، في ساعة من نهار، و إن شئت تفصيلاً بأسمائهم ، فلأبْعَثَن إليك برسالةٍ شافيةٍ ضافيةٍ، على صندوق البريد..!
تكاثفت اجتماعات إتّحاد التضامن الذي يتكون من مؤتمر الطلاب المستقلين، وحزبي الأمّة والإتّحادي، لتحديد موعد النزول إلى الشارع.. بعد تداول مضنٍ خرج مجلس الإتّحاد الذي كان يرأسه عمر حمد النيل بقرار: “إرجاء موعد الخروج إلى الشارع لمزيد من التحضير والتشاور”..وفي صبيحة 24 مارس وقف سلامة وبجانبه محيي الدين إدريس، لتلاوة القرار..لكن أحد “الأشقاء”، وهو محمد سيد أحمد، قاطع تلاوة البيان رافضاً قرار التأجيل ومؤلباً على الخروج.. تفجّر الموقف في مدرج الشيخ البدوي بالجامعة ، إثر هتاف “الشقيق” : لا لا للمتخاذلين.. لا لا للجبناء..! لم يكن سلامة ولا محيي الدين ممن يتخاذلون، ولكنه الإحتكام إلى لعبة السياسة..! ذاك الهتاف الداوي غيّر مسار الحدث، إذ كان من الممكن جداً، أن ينسرب التاريخ في سياق آخر..! هتاف الشقيق، محمد سيد أحمد، الذي أشهد عليه، وضع السودان كله في رحلٍ جديد..فماذا لو صبرنا قليلاً ،، لربما عاد النميري وقام بـ “ترقيص العروس”..! بعد ظهيرة ذلك اليوم، بُثَ تعميم بين عضوية التنظيمات المشاركة في اتحاد التضامن، وصلنى التعميم عبر فيصل بشير على ما أذكر، بأن الخروج إلى الشارع سيكون صبيحة 26 مارس..كنّا شباباً فائراً..خرجنا كسحاً للأرض من سوق أم درمان ، وحتى مجلس الشعب..هتفنا لسقوط مايو، واشتعل البومبان، فانفتحت لنا حيشان الموردة بالماء والزغاريد..!
إنتفضنا، لكن غبار الوهم لم يزل عالقاً فينا..فعلناها، وتبنى فِعلتنا آخرون، لكن معليش، “الجايات أكتر من الرايحات”..!

مقالات ذات صلة