كانت الولايات المتحدة قد ارسلت في اغسطس عام 2022م سفيرها جون غودفري كأول سفير لها بعد ثلاث عقود ، و وصل غودفري السودان في فترة كانت تشهد أزمة سياسية بين المكون العسكري و المدني خلال إبعاد المكون المدني عن السلطة في 25 أكتوبر 2021م.. و قال غودفري في بيان كان قد نشره عبر حساب السفارة الأمريكية على وسائل التواصل الاجتماعي( أن وصوله إلي الخرطوم يعكس التزام الولايات المتحدة لتعميق العلاقات بين الشعب السوداني و الأمريكي) و أضاف في البيان ( ضرورة ابتعاد الجيش عن السياسية في السودان بمجرد تأسيس حكومة سودانية في البلاد، و على جميع القوى السياسية الدخول في حوار شامل و مباشر لتشكيل حكومة مدنية جديدة) لكن للأسف أن السفير غودفري نفسه الذي دعا إلي حوار شامل بين القوى السياسية حاد عن جادة الطريق حيث راهن على مجموعة بعينها دون الأخريات، و الغريب في الأمر ليست كان رؤيته لوحده أنما سياسة وزارة الخارجية الأمريكية و كانت تشرف عليها مساعدة وزير الخارجية ” مولي في” و الغريب أن مولي في انتقدت رؤيتهم الأحادية أمام الكونجرس، التي قادت لكارثة الحرب..
كان على الولايات المتحدة عندما تريد أن تكون مسهلا لعمل سياسي في أي دولة لها علاقات وطيدة معها يجب أن تدرس المجتمع و القوى الفاعلة و المؤثرة فيه، و من الخطأ أن تختار قوى لا تملك أي رصيد اجتماعي و جماهيري و تحاول أن تفرضها على المجتمع حتما سوف تفشل، و هو السبب الرئيس الذي جعل جون غودفري يفشل في مهمته و حتى مساعدة وزير الخارجية الأمريكي ” مولي في” و التي كانت وراء فكرة الاتفاق الإطاري قد عجزت على إقناع الصفوة التي راهنت عليها و كانت تريدأن توصلها لعتبة السلطة قد فشلت، لأنها لم تراع للقوى صاحبة القواعد الاجتماعية العريضة، فالرهان على فئة صغيرة من الناشطين سياسيين ذوي التجربة السياسية المحدودة كان حتما سوف تفشل لأن هذه الفئة قد كانت عينها فقط على السلطة و لا تملك أي مشروع سياسي يبين رؤيتها السياسية..
أقتنعت الإدارة الأمريكية بفشل بعثتها الدبلوماسية في إدارة الأزمة، وسحبت ملف الأزمة السودانية من وزارة الخارجية ، و عينت مبعوثا خاصا من الرئاسة هو “توم بيرييلو” لكي يدير الإزمة؛ و يساعد على حلها مع جميع الأطراف، لكنه أيضا أختار السير في الطريق الخطأ، حيث بدأ طوافا على الدول المحيطة بالسودان، و الالتقاء بعناصر الإزمة دون أن يختار بداية مشواره أن يكون مع السلطة في السودان، و يلتقي بالقوى السياسية الحية داخل السودان ثم يبحث عن الآخرين، و أيضا أعطى تصورا أنه يراهن على ذات الشخوص التي تسببت في الأزمة.. و بعد شهور من الطواف الخارجي. قال المبعوث الأمريكي توم بيرييلو (أن العالم بحاجة إلي التفكير في خطة بديلة، من المحتمل أن تكون قوات حفظ سلام بشكل ما في إطار الاتحاد الأفريقي أو الأمم المتحدة) الغريب هو يعلم أن هذا لن يكون حلا للمشكل، بل سوف يخلق واقعا جديدا، و حرب ضروس تستمر عشرات السنين..
يبين بيرييلو ماهية العامل الذي جعله يقول (إذا لم نتوصل إلي اتفاق خلال الأسابيع القليلة المقبلة سنرى المزيد من التدخل من جهات خارجية تجعل التواصل لاتفاق السلام أمرا أكثر صعوبة، و هذه دول لا تهمها مصلحة السودان في شيء) هنا مربط الفرس، أن أمريكا تتخوف من وصول النفوذ الروسي إلي البحر الأحمر، و من قال أن الروس لا تهمهم مصلحة السودان و دلالة على ذلك أن كل السلاح الذي يستخدمه الجيش السوداني “سلاح روسي صيني” و ليس للسودان أي معدات و اسلحة غربية أو أمريكية الأمر الذي يبين من الذي له مصلحة.. أن الولايات المتحدة بعد ثورة ديسمبر كانت سببا مباشرا في فقد الجنيه السوداني أكثر من 45% من قيمته بسبب دفع أموال في قضية كان القضاء الأمريكي قد برأ السودان منها لولا خطأ رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، و هذه أثرت بصورة كبيرة على معاناة الشعب السوداني بفقد الجنيه 45% من قيمته.. و الآن يريد المبعوث الأمريكي أن يحدد للسودان وجهته التي يسير عليها.. أن محاولات المبعوثيين الأمريكيين إذا كانوا من وزارة الخارجية أو الرئاسة الأمريكية يجب عليهم قراءة تاريخ و تراث و ثقافة الشعب السوداني و مكوناته، و لا يحاولوا فرض أشياء لا يقبلها الشعب، و أن لا يتعاملوا من برج عال مع السودانيين..
و إذا كان المبعوث الأمريكي بيرييلو مقتنع بتنسيقية ” تقدم” و أنها خياره للسلطة عليه أن يقنع قيادتها أن تدعو إلي انتخابات كخيار للحل يحكم فيه الشارع.. إن أي قوى سياسية تصل للسلطة بضغط تمارسه قوى خارجية دون أن يختارها الشعب هي مشروع لديكتاتورية جديدة، و لآول مرة في التاريخ أن قيادات سياسية ترفع شعار الديمقراطية و تخاف من الانتخابات.. إن المبعوث الأمريكي توم بيرييلو واقع في حيرة من أمره، مره يحاول فرض شروط مع تلويح بالعصى، و مرة يتحدث عن حوار شامل بين القوى السياسية، و مرة أخرى يهدد بتدخل خارجي، الأفضل عليه أن يذهب و ينتظر انتهاء الانتخابات الأمريكية، و بعدها حتما هذه الفترة سوف تشهد متغيرات جوهرية في السودان تسهل مهمته مستقبلا، إذا كانت الولايات المتحدة تبحث عن مصلحتها و مصلحة السودان… نسأل الله حسن البصيرة..
*منقول من المسار نيوز*