*حزب الأمة هو الذي سن سنة تكوين المليشيات وتسليح القبائل حسب إفادة الأستاذة زينب الصادق المهدي (1/3)* بقلم د. محمد عثمان عوض الله 10/8/2024*

*حزب الأمة هو الذي سن سنة تكوين المليشيات وتسليح القبائل حسب إفادة الأستاذة زينب الصادق المهدي (1/3)*
بقلم د. محمد عثمان عوض الله
10/8/2024

موضوع هذا المقال هو تكوين حزب الأمة القومي للمليشيات وسنه سنة تسليح القبائل. نغطي الموضوع في ثلاثة حلقات. نخصص الحلقة الأولى عن توثيق حقيقة أن حزب الأمة القومي وعلى مدى قرنين متتاليين وعبر ثلاثة من رؤساءه، (الخليفة عبدالله، الصادق المهدي، فضل الله برمة) هو أول من سن السنن الآتية: 1/ سنة انشاء المليشيات لتقاتل انابة عن الجيش الحكومي. 2/ سنة تسليح القبائل دون الاستناد إلى أي قانون أو تشريع. 3/ سنة الشروع في تقنين المليشيات بقانون من تحت قبة البرلمان. 4/ سنة وضع منهج وعقيدة المليشيا التي تبيح لها النهب والسلب والقتل وارتكاب كافة أنواع الجرائم تحت غطاء و حماية الحكومة من ناحية، وباستخدام فتوى دينية (خاطئة) من ناحية أخرى. وسنعرض المراجع التي تؤكد كل هذه الحقائق التاريخية. أما الحلقة الثانية نخصصها عن علاقة حزب الأمة القومي مع مليشيا الدعم السريع تحديدا، ونوضح فيها كيف تحولت هذه العلاقة من العداء إلى التخالف.

*حزب الأمة القومي أول من سن سنة تكوين المليشيات*
نشرت الأستاذة زينب الصادق المهدي، في تسجيل فيديو صوت وصورة، إفادة تاريخية بالغة الأهمية عن دور كل من أبيها بصفته رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس حزب الأمة، و دور اللواء فضل الله برمة ناصر بصفته عضو مجلس ووزير الدفاع في حكومة ثورة ابريل 1985م. ذكرت دورهما في تكوين الكتائب الشعبية والمليشيات القبلية خارج أطر الجيش النظامي المهني. وختمت إفادتها بالحديث عن لجنة حزبية من برلمان تلك الحكومة اشتركت فيها الأحزاب الرئيسية الثلاثة، الأمة والاتحادي والجبهة، للتفكير حول كيفية تكوين قوة شبه نظامية تحت مسمى الدفاع الشعبي، فكرته وقانونه. بدأت اللجنة عملها ولكنه لم يكتمل بسبب قيام انقلاب حكومة الإنقاذ 1989م.

*أهمية إفادات الاستاذة زينب*
لم تقدم الأستاذة زينب أي معلومة جديدة. لأن هذه المعلومات تاريخية وموثقة. ولكن تكمن أهمية إفادتها في أنها تمثل إعتراف ذاتي من البيت القيادي الاول في حزب الأمة، بالحقيقة المجردة، في زمن كثر فيه اللغط والتضليل حول أصل هذه القوات. لذلك وجدت تكتسب افادتها وزن اضافي باعتبارها وثيقة مرجعية من قلب البيت الرئاسي للحزب.

*الأسباب*
ما أوردته الأستاذة زينب صحيح ودقيق ويعكس الحقائق المحضة. حيث ذكرت أن تسليح القبائل جاء بطلب من القبائل نفسها. وأن هجوم الحركة الشعبية بقيادة قرنق 1985، هو السبب الوحيد الذي حتم على القبائل البحث عن السلاح وعن الحماية وأن تفكر بجدية في الانضمام إلى التمرد في حالة أنها لم تجد السلاح لتقاتل بنفسها، ولا الحماية من الجيش الحكومي، ولم حتى تتغي شره. هذه الافادة توضح السبب الرئيسي في لجوء القبائل إلى البحث عن السلاح، وفي نشوء سنة تسليح الحكومة لتلك القبائل. وهو هجوم الحركة الشعبية على تلك القبائل في أحيائها السكنية مع عدم وجود حاميات عسكرية أو قوة نظامية قتالية قادرة على حمايتها.

*لماذا تلجأ الحكومة لتسليح القبائل*
ذكرت الاستاذة زينب، أن الحكومة بقيادة أبيها (رئيس حزب الأمة لمدة تزيد عن 60 سنة) ووزير دفاعه اللواء فضل الله برمه (الرئيس الحالي لحزب الأمة)، قد اعترفت لتلك القبائل بعجزها عن توفير الحماية المباشرة لها، ولكنها عوضا عن ذلك تعهدت بأن توفر لها السلاح وتوزعه على القبائل، ولكنها اشترطت أن يكون توزيع السلاح وفق منهجية محددة (من حدد هذه المنهجية؟ قانون؟). في هذه الجزئية تقدم الأستاذة زينب تفسيرا لظاهرة أخرى، وهي ظاهرة لجوء الحكومة لتكوين المليشيات القبلية والشعبية غير النظامية. وهي بسبب العجز عن الحماية مع مقدرة الحكومة نفسها على توفير السلاح و موافقتها على توزيعه على القبائل، و إعدادها لخطة محددة لتوزيع ذلك السلاح. رغم ان الأستاذة زينب، لم توضح نوع وسبب هذا العجز. إلا أن بعض الآراء تفسر ذلك وتقول بما أن العدو طبيعته مليشيا قبلية، لذلك لابد أن تواجهه الحكومة بمليشيا مماثلة. وان المهنية والعلمية والبيروقراطية والقوانين الداخلية للجيوش النظامية تعيقها كثيرا عن مواجهة المليشيات في حرب طبيعتها حرب العصابات التي من أهم متطلباتها ومميزاتها، السرعة والخفة والجرأة والصلاحيات الواسعة في اتخاذ القرار الميداني وفي التعامل الفوري واللحظي مع عدو هو نفسه لا يلتزم بقانون. عقيدة المليشيا هجومية بينما عقيدة الجيش دفاعية. طبيعية المليشيا الهجوم بنيران كثيفة، بينما طبيعة الجيش تمنع أي جندي من إطلاق طلقة واحدة إلا وفق تعليمات من قيادته العليا ووفق تصاديق ورقية و حسابات وخطط مجازة باجتماعات وهياكل متسلسلة وصلاحيات متسلسلة. المليشيا ترتكب الجريمة وستخدمها كسلاح لاخافة المواطنين العزل ولاشاعة الهلع و حالة عدم الاستقرار وتصور كل ذلك بأنه عجز من الجيش عن حماية مواطنيه المدنيين. وتلك حقيقة إذ أن حماية المواطنين المدنيين يعرفها القانون الدولي ويحددها بمنهج مختلف كل الاختلاف عن العقلية التي تفكر بها المليشيات وتدير بها حربها وارتكب بها جرائمها. هنا تستدركني ملاحظة مهمة، وهي أن النقاش الكثيف حول مدى قانونية استعانة الحكومة بمليشيا لمحاربة مليشيا أخرى، صرف الأنظار عن نقاش قانوني آخر وهو الإدانة القانونية للمليشيات المعتدية التي ترتكب كل انواع الجرائم، في حق المدنيين، وتصنيفها كمنظمات إرهابية عوضا عن مكافئتها وتصويرها وكأنها صاحبة قضية وان قادتها مناضلون. (تصريح عبدالواحد نور: نحن حاربنا الدولة 18 سنة واجبرناها على تحويل ميزانية التنمية إلى الحرب حتى لا تقيم جنة الله في الأرض. هدفنا تجويع الناس حتى يخرجوا في مظاهرات ضد الحكومة). المصدر: لقاء مع قناة 24 الفرنسية 21 يناير 2019.

*الدفاع الشعبي*
المعلومة الأخيرة التي ذكرتها الأستاذة زينب الصادق، أن حكومة أبيها المنتخبة بأحزابها ومن داخل قبة البرلمان، كانت قد شكلت لجنة من الأحزاب الثلاثة الكبيرة الفائزة، وهي بالترتيب حسب وزنها البرلماني: حزب الأمة القومي، الحزب الاتحادي الديمقراطي، حزب الجبهة الإسلامية القومية. وطُلب من هذه اللجنة البرلمانية أن تؤدي مهام محددة وهي: 1/ دراسة فكرة انشاء قوات شعبية تحت مسمى الدفاع الشعبي. 2/ كيفية تقنينها بواسطة قانون خاص يتم عرضه على البرلمان لإجازته.
هذه المعلومة تفيد بأن الفكرة من حيث المبدأ تم حولها اتفاق أو إجماع بين الأحزاب السياسية الثلاثة. أي أن قضية تكوين قوى شعبية غير نظامية هي من القضايا النادرة التي تحاوزت هذه الأحزاب، الاختلافات السياسية أو الحزبية أو الآيدلوجية فيما بينها واتفقت على فكرة إنشاء وتقنين القوات الشعبية شبه النظامية وحولت هذا الاتفاق إلى قرارات وإجراءات وشرعت في التنفيذ. أي ان الحكومة قد استجابت للواقع وللضرورة الملحة، التي فرضت عليها تشكيل هذه القوات. وان هذا التفكير العملي أولا لم يكن متعجلا ولا ارتجاليا و إنما تمت دراسته بواسطة لجنة. وأن الفكرة ليست حزبية وانما تم إقرارها بصورة قومية من أحزاب الحكومة والمعارضة معا. وأن منشئها ليست الحكومات العسكرية فحسب، وانما حتى الحكومات الديمقراطية المنتخبة بالإضافة إلى منشئه كمطلب شعبي.

*تسليح القبائل وتكوين المليشيا*
ذكرت الأستاذة زينب أنه تم التسليح الفعلي لتلك القبائل لكي تتمكن من الدفاع عن نفسها كأستجابة فورية للتحدي الماثل، و استجابة لمطالب تلك القبائل نفسها ولتهديدها في حالة لم تتم حمايتها أو تسليحها، اذا لن يكون هنالك خيار أمامها إلا الانضمام للتمرد. أكدت الأستاذة زينب أن حكومة أبيها قامت فورا بتسليح تلك القبائل ورغم أنها ذكرت أن ذلك التسليح تم بتقنين وضوابط إدارية، إلا أنه تم قبل اجازة القانون من تحت قبة البرلمان. أي أنه تم بدون قانون يستند عليه، ولكنها استدركت وقالت: وفق ضوابط. وهذه في ذات نفسها أحد السنن التي استنها حزب الأمة القومي وهو الاثبات المقصود في مقدمة هذا المقال.

*انجازات اللجنة البرلمانية*
المعلومة المكملة، هي أن اللجنة المشار إليها قد أكملت عملها. فأجازت الفكرة، واكملت صياغة القانون وتم تسميته بقانون الدفاع الشعبي، وتم عرضه على البرلمان وأجازه البرلمان في مرحلتي القراءة الأولى والثانية. إلا أن القراءة الثالثة لم تكتمل بسبب قيام انقلاب الإنقاذ كما ذكرت الأستاذة زينب.
رغم كثرة المراجع التي تتحدث عن هذا الموضوع إلا أن الافادة التاريخية للأستاذة زينب الصادق هي مرجع هذا المقال و الذي يغنينا عن الاستعانة بالمراجع الأخرى لسببين. السبب الأول أنها إفادة شاملة وواضحة. السبب الثاني أنها من البيت القيادي في الحزب الرئيسي الذي سن هذه السنة وأنها تمت على يد أبيها ووزير دفاعه الرئيس الحالي للحزب.

*حزب الأمة القومي هو من سن سنة العقيدة الهجومية للمليشيا ومتلازمة الجرائم*
على ضوء الاقتباسات المنشورة في وسائل التواصل الاجتماعي من مرجع الاستاذ بابكر بدري بعنون تاريخ حياتي والتي توثق وتذكر تفاصيل جرائم جيش الخليفة عبدالله ضد المدنيين، فانه لا شغل يشغل للرأي العام السوداني حاليا، أكثر من إيراد القصص المرعبة عن الجرائم التي كانت ترتكبها جيوش الخليفة عبدالله التعايشي، في غزوها و استباحتها لمدن السودان المختلفة. وتطابق تلك الجرائم بالتمام و الكمال مع ما ترتكبه مليشيا الدعم السريع الان في مدن السودان المختلفة ايضا. جعل الخليفة عبدالله جيشه قبلي، وشن هجوما على قبائل الكبابيش، النوبة، دارفور، وحروب اولاد الغرب واولاد البحر، التي نهبت ممتلكات المواطنين ونهبت المحاصيل الزراعية مما أدى إلى مجاعة سنة ستة المشهورة. وأن الجنود كانوا يستندون في ارتكاب تلك الجرائم إلى فتاوى دينية تبيح لهم أخذ كل ممتلكات المواطنين ونسائهم ورجالهم و ممتلكات الدولة كغنائم حرب حلال عليهم يفعلون بها ما يشاؤون. هذه المقارنة تؤكد التطابق بين المليشتين في المنهج وقسوة التطبيق و العقيدة القتالية والفتاوى الدينية، رغم مرور مايقرب من قرن ونصف من الزمان. وهذه ايضا احد السنن التي وعدنا بتوثيق إسنادها لحزب الأمة. (المصدر: كتاب تاريخ حياتي للشيخ بابكر بدر، عدد مواقع من الانترنت، الشهادات المتواترة، كتب ومحاضرات ومقالات توثق لهذه الحقائق)

*الانقاذ*
إستمرت حكومة الانقاذ على ذات الخطى التي ورثتها من حكومة الصادق المهدي. فأخذت قانون الدفاع الشعبي من حيث توقف. واضافت إليه وأجازته بصورته النهائية. وحينما توسعت الحركة الشعبية في معاركها ونقلت الحرب إلى ولايات دارفور، توسعت حاجة القبائل في الحماية وانتشر التسليح وتطورت الفكرة إلى سلاح الحدود ثم إلى الدعم السريع الذي أجاز البرلمان قانونه في عام 2017م. أي ذات المليشيا لأداء ذات المهام بمزيد من الضوابط المحصورة في ذات النطاق الأمني والعسكري.

*بعد ثورة ديسمبر*
استمر دور حزب الأمة واللواء برمة وأبناء الصادق في التعامل مع الدعم السريع بنسخته الحالية. ولكنهم وللمرة الأولى في التاريخ السوداني، حولوا طبيعته من عسكرية إلى سياسية. و حولوا أهدافه من الحماية الأمنية للمواطنين إلى رافعة للتسلق إلى كراسي السلطة وبقاء القيادات الحزبية في الحكم بلا انتخابات. ومن دوره كباطش للحركات المسلحة المتمردة، إلى مليشيا للبطش بالخصوم السياسيين، أستخدمت لمصادرة الصحف وإغلاق دورها واعتقال الخصوم واختطافهم وأخيرا شن الحرب على الجيش النظامي وعلى الدولة وعلى المواطنين واحتلال منازلهم وارتكاب أبشع أنواع الجرائم بما فيها الاغتصاب ودفن الناس أحياء. هذه هي قصة المليشيات التي بدأها الصادق المهدي واستخدمها لمساعدة الجيش في حماية المواطنين، واختتمها أبناءه واستخدموها في شحن الحرب على الجيش وعلى المواطنين كما سنفصله في الحلقة القادمة ان شاء الله.

مقالات ذات صلة