*نتيجة الانتخابات الأمريكية وأثرها على حرب السودان. د الرشيد محمد إبراهيم الرشيد. استاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية*

نتيجة الانتخابات الأمريكية وأثرها على حرب السودان https://pressplatform.net/نتيجة-الانتخابات-الأمريكية-وأثرها-عل/

نتيجة الانتخابات الأمريكية وأثرها على حرب السودان.

د الرشيد محمد إبراهيم الرشيد.
استاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية

مدخل مفاهبمي:

لا يمكن تجاوز أو تجاهل الدور التأثيري للولايات المتحدة الأمريكية على مجريات السياسة الدولية، خاصة التغير الذي قد يطرأ على السياسات والبرامج والأدوات في المنطقة العربية والأفريقية والسودان جزء من ذلك المحيط، وبالتالي سيتاثر مدا وجزرا بهذا التحول ومن الأجدي لصانع القرار والباحثين المهتمين أن يساهموا في الإجابة على سؤال ماذا يعني فوز الحزب الجمهوري وعودة ترامب للمرة الثانية والأخيرة رئيسا لامريكا وسيدا حصريا للبيت الأبيض مع سيطرة شبه كاملة علي الكونغرس الأمريكي بمجلسيه الشيوخ والنواب؟.

التأثير الزماني:

ولاية ترامب ٢٠٢٤ ليست السابقة، لا من حيث البيئة الأمنية والسياسية الدولية أو المهددات والمدركات، ولا الأوضاع الاقتصادية المضطربة.
السمة الأبرز في المشهد الدولي هو تفاقم الحروب والنزاعات خاصة ما يلي الأمن الاروبي ذو الصلة بالأمن في ضفتي الأطلسي، حيث الحرب الأوكرانية و المواجهة مع روسيا، فضلا عن انفجار الأوضاع في الشرق الأوسط والصراع العربي الإسرائيلي واحتمال المواجهة الواسعة أو الاقليمية التي تستوعب إيران وبرنامحها النووي ولبنان وبقاعها وضواحيها وسوريا وجولانها، وتداعيات ذلك على أمن الخليج حيث كثافة المصالح الاقتصادية الأمريكية فضلا عن تحفظات ترامب السابقة حيال المساهمة الأوروبية الضعيفة في في الأمن عبر مظلة حلف شمال الأطلسي (الناتو).
الوضع بهذا المستوى من التهديد ربما يجعل أولوية الحرب في السودان ليست ذات أهمية لأجندة الرئيس الأمريكي ترامب، علي الاقل في المدى القصير والمتوسط، ولكن هذا لا يعني غياب الملف من التعاطي والتداعي وابقائه على الطاولة.
مرحلة الانتقال في الولايات المتحدة الأمريكية وما فيها ما يعرف بسياسة البطة العرجا لحظة انتقال السلطة من الحزب الديمقراطي الي الحزب الجمهوري، تمثل قيمة استراتيجية للسودان والجيش السوداني للمضي قدما وربما بخطوات متسارعة لحسم تمرد مليشيا الدعم السريع مستفيدا من حالة غياب الضغط الأمريكي سياسيا و دبلوماسي، إذ ان المتوقع هو انكفا ترامب على قضايا الداخل، فامريكا اولا.
التغيرات الحتمية في اختيار الطاقم العامل والحقائب الوزارية قد تاخذ وقتا وسوف يستفيد السودان من تعطيل الهيكل السابق ويعمل على الاستثمار في الوقت اللاحق.

الأثر السياسي الامني:

لعله من المفيد التذكير بأن العلاقات الثنائية السودانية الأمريكية يلاحظ فيها أن الحزب الجمهوري أقل عداءا وحدة في التعاطي مع الشأن السوداني مقارنة بالحزب الديمقراطي الذي شهدت عهوده، توترات في العلاقة ليس على صعيد فرض العقوبات والحصار الاقتصادي ووضع اسم السودان على قائمة الإرهاب فحسب، ولكن ضرب السودان عسكريا في فترة الديمقراطيين وفصل جنوب السودان بدعم منهم وتم تدويل قضية دارفور حتى احالتها للمحكمة الجنائية الدولية من قبل مجلس الأمن الدولي كان بدعم وضغط أمريكي خالص.
التغيرات القادمة في شكل الحكومة الأمريكية خاصة وزارات مثل الخارجية بلكن والادارة الأفريقية مولي فيي والمبعوث الأمريكي الخاص توم بريلو هذا التحول كفيل بتغيير المعادلة السياسية والتأثير الايجابي ولو مؤقتا على موازين القوة السياسية على الحرب والاوضاع في السودان لصالح الحكومة والجيش، حيث لا يخفى دعم
الديمقراطيين الذين كانوا يعتبرون احزاب قحت او تقدم هي القوي المدنية الوحيدة في المشهد السياسي السوداني وهو ما يعد استدارة وفرصة لدي الحكومة السودانية لتصحيح هذا الوضع المصنوع، وتأكيد أن التفاف الشعب مع قواته المسلحة السودانية في مواجهة مليشيا الدعم السريع وابراز حالات التأييد الشعبي على نحو ما حصل في زلزال لندن، الذي اربك حامل القلم البريطاني ومهد لانطلاق المشروع الوطني القادم، بقوة دفع داخلي وخارجي. ويمثل تعيين السفير على يوسف علي راس وزارة الخارجية بارقة امل ليس في تحويل المهددات الي فرص ولكن حتى تحويل المهددات الاستراتيجية القريبة الي مهددات بعيدة المدى، وما يتطلبه ذلك من إعادة صياغة توجهات السياسة الخارجية السودانبة القادمة بما فيها من خيارات التوجه شرقا نحو روسيا والصين (البريكس) مع الابقاء على سياسة الانفتاح والاندماج الدولي.
و الإجابة على التساؤل التالي (How to but America in our back)
من الراجح ان سياسة ترامب التي أعلنها في برنامجه الانتخابي بتجفيف الصراعات والنزاعات، وأنه لن يدخل في حروب جديدة، اذا ما قدر لهذه الرؤية النفاذ فيمكننا القول إن تأثيرات ذلك قد تكون إيجابية على السودان، بغل يد الدول الداعمة والمؤججة للحرب في السودان مثل الإمارات عربيا وفرنسا وبريطانيا غريبا خاصة لدي الكتلة الفرانكفونية ومن وراءها مرتزقة تشاد ومالي والنيحر.
فبرغماتبة ترامب وواقعيته السياسية وميله نحو الصفقات، وليس المواجهات العسكرية، يمثل فرصة تدعم منهج إدارة الحرب في السودان، اذا تم فهمها والعمل على توظيفها وفق تفاهمات وتكتيكات سياسية تعتمد علي التحليل السلوكي للرجل بما يحقق المصلحة الوطنية السودانية.

الإرهاب وجرائم الدعم السريع:
من طبيعة الحرب في السودان تعدد وتنوع ميادين المواجهة الميدان العسكري والاعلامي والدبلوماسي والقانوني الجنائي ويرجع ذلك إلى تأثيرات التدخل الخارجي واستقطابات الراعي الاقليمي للمليشيا. ولكن واقع ممارسات سلوك المليشيا منذ بداية الحرب يبدو أنها لا تكترث كثيرا لمبادئ القانون الدولي الانساني ولا القوانين التي تنظم الحرب، وأن حمولة المليشيا من جرائم الحرب والجرائم ضد انسان السودان تحرج الموالي قبل المعادي، وادخلت الدول الممولة والداعمة للمليشيا في وحل وحرج دولي كبير زاد من صورتها تشويها على الذي فيها، ونقلها الي معارك في مجلس الأمن وأروقة الأمم المتحدة على خلفية شكوى السودان التي أصبحت مادة لدول مثل بريطانيا وامريكا لابتزاز الإمارات نظير تعويق شكوى السودان من بلوغ مراحل التقاضي ودفع فاتورة الحماية الغربية. هذا على الصعيد الرسمي للحكومات ولكن لا يمكن عمل ذات الإجراء الحمائي مع الشعوب والرأي العام الأوروبي والأمريكي والذي قد يضطر الحكومات تحت الضغط، لتغيير سياستها تجاه التعامل مع المليشيا خاصة إذا تعارضت المصالح مع ازدياد حدة وبشاعة جرائم المليشيا خاصة في منطقة الجزيرة ومن خلال الرصد والمتابعة، يتوقع ان يمضي الكونغرس في اتجاه تصنيف مليشيا الدعم السريع كجماعة إرهابية خاصة وأن غالب السينتورات الذي قدموا مذكرة سابقة لإدارة بايدن هم من يمثلون أغلبية الأن في الكونغرس الأمريكي. ولكن لضمان هذه النتيجة، هنالك الكثير على الحكومة السودانية فعله من واقع وضرورة إعادة تنظيم الملف القانوني من حيث المرجعيات وآليات المتابعة، وبذل جهود مع بيوتات خبرة قانونية وعالمية وشركات علاقات عامة.

الدور الاقليمي:

يبقى دور المنظمات الإقليمية مؤثر واداة مهمة في تعامل ترمب وتشكيل رأي إيجابي عن حرب السودان خاصة الإدارة الأفريقية، وما تمثله من قيمة في تحديد توجهات وزارة الخارجية الأمريكية القادمة. فافريقيا تظل مهمة للاستراتيجية الأمريكية، فهي ساحة التنافس الصيني الروسي، وفي وجه اخر بين الكتلة الانجلوساكسونية والفرانكفونية الحاضر في حرب السودان، وهذا يلقى بعبء على الخارجية السودانية في إدارة تباين المصالح وتقاطعات الأهداف.

دول الجوار السوداني:

المرحلة الحالية من حرب السودان شهدت تحولات مهمة لعل أبرزها تغير ميزان القوي لصالح الجيش السوداني من خلال وقائع العمليات على الأرض. المتغير الثاني هو اتهام حميدتي قائد المليشيا لعدد من الدول بأنها دفعت باتجاه الحرب باصرارها على الاتفاق الإطاري. وقد جاءت هذه الاتهامات في أخر خطاب له عقب دحر قواته من قبل القوات المسلحة في منطقة جبل موية، ذات الأهمية الاستراتيجية والنقطة الحاسمة في معارك الوسط والجنوب، وهذين المتغيرين دفعا بعض دول الجوار لإعادة تقييم دعمهم ومساندتهم للمليشيا خاصة دولة تشاد، وليس سرا أنها طلبت وساطة عبر أحد قيادات الحركات المسلحة للتوسط لدي البرهان بغرض التفاهم وتصحيح المواقف. وكذا الحال بالنسبة لإثيوبيا ودولة جنوب السودان.
اما مصر فإن اتهام قائد المليشيا لهم بالمشاركة عبر الطيران في ضرب وقتل قواته، فقد نقلها من خانة المحايد الداعم لبقاء لمؤسسات الدولة، الي معنى بسير عمليات وضرورة انتصار الجيش لما تمثله المليشيا من تهديد مباشر للأمن القومي المصري. تمدد المليشيا نحو تخوم منابع النيل كما أن تهديد عناصر المليشيا بضرب السد العالي واستهداف التجارة مع مصر ومنع صادرات السودان منها كل ذلك وغيره يجعل استراتيجية تعاطي مصر مع قضية حرب السودان يأخذ أبعاد ذات طبيعة عسكرية وسياسية وإعلامية قانونية. وهنا تكمن أهمية مصر في التواصل مع الجانب الأمريكي، الذي يعتبرها مدخلا للتعرف على الأوضاع في السودان.

سيناريوهات تعامل إدارة ترمب مع الملف السوداني:

اولا : الإبقاء على الوضع السابق.
وهذا برغم ضعف احتمالية حدوثه إلا أنه غير ممكن وليس واقعيا، على خلفية انتقاد ترمب لإدارة بايدن في التعامل مع القضايا الخارجية وإهمال أفريقيا. كما أن حتمية تبديلات الطاقم الوزاري تتبعها تغيير في الأدوات والوسائل والسياسات. والمؤشر القوي هو رفض برقية تهنئة دقلو بمناسبة فوز ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.

ثانيا : أن تعمل الإدارة الأمريكية على ابرام صفقة وتسوية للحرب في السودان على غرار سياسات ترامب في فترته الأولى فيما يتعلق بإدارته لملف التطبيع مع إسرائيل والمشروع الإبراهيمي واتخاذه قرار برفع السودان من قائمة الإرهاب. ولكن هذا السيناريو يصطدم مع الإرادة الداخلية الشعبية والحكومية الرافضة لاي دور سياسي وعسكري لمليشيا الدعم السريع في مستقبل حكم السودان.

ثالثا : أن تمضي سياسة ترمب في اتجاه تصنيف مليشيا الدعم السريع كجماعة إرهابية وتدعم هذا السيناريو ما صغناه من مرافعات أعلاه وربما يعززه موقف الجيوش على الأرض ومدي قدرة القوات المسلحة من توظيف عامل الزمن الاستراتيجي والحاق اكبر هزيمة بالمليشيا، وهو الاتجاه الأقرب اذا ما أحسنت إدارة الظروف والمتغيرات بشكل صحيح.

نقاط القوة لدي السودان:

توجد بعض الملفات تتطلب ما يمكن أن نسميه إدارة المشاريع الاستراتيجية والتي تجعل السودان في دائرة الاهتمام بالنسبة لإدارة البيت البيت و أبرزها :

١. أمن البحر الأحمر وإدارة تقاطع الاستراتيجيات فيه المتسم بحالة التنافس الدولي وصراع الارادات فيه.

٢. أمن القرن الافريقي وثيق الصلة بأمن الخليج.

٣. قضايا الإرهاب الدولي والهجرة غير المنظمة.
٤. العلاقة مع إيران.

٥. صراع الموارد وإدارتها الذهب والصمغ العربي سيما ما يتعلق بالحروب.

خلاصة:
المتوقع والراجح أن الجانب الاقتصادي سوف يحظي باهتمام الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب، وسيكون المعلم الابرز في السياسة الخارجية الأمريكية، ولكن المهم هو الإحاطة بتمظهرات ذلك الاهتمام والتي تاخذ شكل الاستثمارات في النفط والبني التحتية والتجارة خاصة الذهب والصمغ العربي والتنقيب عن النفط والغاز و اليورانيوم، ومبيعات الأسلحة مع مراعاة قضية التنافس الصيني الروسي في الاعتبار عند التخطيط والتفكير في التعامل مع الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب، الذي توجد صعوبة في التعرف على سياساته وتوقع تصرفاته حيال الازمات وملفات الصراع.

مقالات ذات صلة