ظلت كل الأحزاب السياسية تمارس سياسة إنتاج خلايا عسكرية منظمة تابعة لها، تحركها لإحداث انقلاب علي السلطة المدنية الحاكمة المتغلبة في الأنظمة الديمقراطية التي تعاقبت على حكم البلاد في الأزمان السالفة مما أحدث وانتج عدم استقرار سياسي لازم العملية السياسية ونظم الحكم منذ الاستقلال والي يوم الناس هذا .
مما يؤكد حقيقة واحدة وهي الا فكاك عن هذه المتلازمة، ما لم يحصل توافق بين المنظومتين، إذ انه لا تستطيع قوي مدنية الحكم بدون إسناد عسكري، ولا يستطيع انقلاب عسكري الحكم من دون أن تكون خلفه قوي سياسية مدنية منظمة…
التاريخ السوداني شهد ثلاث انقلابات،كلها كانت خلفها أحزاب سياسية يميناً ويساراً ووسطاً، عدا الاتحادي الديمقراطي الحزب الوحيد الذي لم يتمكن من أحداث انقلاب عسكري.
و للخروج من هذه الدائرة الخبيثة، فإنه يجب التشديد علي تحريم تسييس الجيش السوداني وإبعاده من ان يكون تحت الاستقطاب الحزبي ، وفي ذات الوقت يجب إبعاد الأحزاب السياسية عن المنظومة العسكرية وتضمين ذلك في قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية،
ولضمان أن يستقر السودان استقراراً مستداماً فلا بد له من جيش غير محزب، وأحزاب غير معسكرة، وأن يكون الجيش حامياً وضامناً للتحول الآمن لدولة القانون والحكم الراشد .
ولما كان الجهاد واجباً علي الامة حينها وليس علي فئة بعينها أمر الله به الكافة:(واعدوا لهم ما استطعتم من قوة)… اي تجنيد كافة القادرين من الشعب تدريبهم وتاهيلهم لمواجهة العدو الذي ينتوي استئصال شافتهم، وهنا تكمن عبقرية الفكرة وهي ان تذوب المليشيات التنظيمية والقبلية ويستوي الجميع في المقدرات العسكرية وبذا يكون الردع المتساوي هو الذي يحقق الاستقرار، وعندئذِ لا سبيل للكيانات السياسية المنظمة للاستيلاء علي السلطة والأنفراد بالحكم الا عبر الرضا الشعبي الغالب.
وأما الحكماء ذوو الخبرة العملية في إدارة شئون الدولة والمجتمع والذين يمثلون مرجعية الأمة فليس أمامهم الا وحدة المصير المشترك والتوافق علي كليات جامعة لحماية الدولة ونظمها وتقاليدها من الضياع، فدورهم لا يقل أهمية عن الجيوش ذات الصبغة القومية، فيتوجب علي مائدة حوارهم ان تستدير لتشمل كافة الاطياف التي تحتضنها الجغرافيا المحددة، وأن يكون الحفاظ علي الوطن هو غاية جهدهم ومحط انظارهم لافراغ جهدهم وتجربتهم للحفاظ عليه من أجل أن يبقي الجميع روحاً وفكرة علي قيد الحياة، والا فالتمزق والضياع ولات حين مندم .