يستشعر العشرات من العاملين في حقل اللجوء ويلمسون هذه الايام بأيديهم كارثة محدقة بعمل اللاجئين وتقديم الخدمات لهم وللمجتمعات المضيفة، وبدأوا يتحدثون جهرة عن إضمحلال التدخلات في هذا الملف الهام ذو الابعاد الحساسة والخطيرة، فقد “قضم” الخلاف جُل وقت المعتمدية، وبدلا من استثمار العامل الزمني لإنجاز المهام الإنسانية، تحولت معتمدية اللاجئين لبؤرة صراع مستعر، وساد فيها الخلاف الشخصي علي الاختلاف المؤسسي حول الاختصاصات المنصوص عليه في القانون، وحله عبر المرجعيات القانونية، ان الكثيرون باتوا يمقتون العمل في المعتمدية، ولجأوا لإعتزال مهامهم
فقد أحدثت تدخلات سافرة من قبل أحد الموظفين يتمتع بـ”فيتو” من مكتب وزير الداخلية، تأثيراً سلبياً واضحاً، فعادت بيئة العمل مشحونة بالتوتر والتهديد المستمر للموظفين، ونتج عن هذا الوضع حالة إحتقان وسط العاملين، حيث أختار بعضهم الصمت لتجنب المواجهة، بينما لجأ آخرون إلى تجنب الاحتكاك المباشر من خلال الانسحاب إلى الاستراحات، ومآلات ذلك بالتأكيد هي حالة الشلل الإداري التي ضربت المعتمدية، وأنتقصت من ادائها وتراجعت قدرتها على تقديم خدماتها بكفاءة وفعالية
وبينما كان البعض يأمل في تدخل واضح لإيقاف هذا التدهور من قبل وزارة الداخلية، الا ان مكتب الوزير ظل صامتا إزاء الممارسات غير القانونية والمؤسسية من موظف محسوب عليهم، بل ان الأزمة لم تقف عند هذا الحد، بل ظل مكتب الوزير يتلقي ويستمع لتقارير غير دقيقة، ولا تحمل صفة مهنية، وهو تعامل سلبي فاقم المشكلة، وكانت النتيجة الطبيعية إتخاذ الوزارة لقرارات عشوائية، باتت مجالا للتندر لإستخفافها بالقانون، وبكونها انعكست سلباً على الأنشطة والخدمات المقدمة للاجئين
سبق وحذرنا في مقالات سابقة بخطورة انعكاسات التردي الاداري والقرارات غير المتوافقة مع القانون علي اللاجئين، الذين تُعتبر المعتمدية خط دفاعهم الأول، حيث اصبحوا المتضرر الأكبر من هذا الوضع، وبدلاً من تطوير البرامج التنموية والإنسانية الموجهة لهم، تراجع الاداء بأسباب تدهور بيئة العمل الداخلية. مما سيلقي بظلال سالبة على جودة الخدمات المقدمة، ويُضعف الثقة بين اللاجئين والمعتمدية، ان معتمدية اللاجئين لها إرث غني، كونها مؤسسة لعبت أدواراً مشرفة على المستويين المحلي والدولي، بفضل كوادرها المؤهلة وخبراتها المتراكمة. لكن هذه الإنجازات باتت مهددة بسبب السياسات الفردية السلبية التي تُطمس الجهود الجماعية، وتُعرقل مسيرة العطاء المستمرة
ان الخروج من هذه الأزمة يتطلب وقفة جادة من الجهات العليا، خاصة المشرف على وزارة الداخلية، الفريق أول ركن شمس الدين كباشي، لإعادة ضبط الأداء الإداري وإيقاف التسلط الذي يُمارسه بعض الأفراد. كما ينبغي لمكتب الوزير أن يتحلى بالشفافية والنزاهة في معالجة المشكلات، واتخاذ قرارات مبنية على تقييم موضوعي للوضع الراهن، لأن الاستمرار في هذا المسار لن يُفضي إلا لمزيد من التدهور، وهو ما يجعل الإصلاح ضرورة عاجلة لإنقاذ المؤسسة. إذ لا يمكن تحقيق العدالة ولا تحسين الخدمات دون إعادة ترتيب البيت الداخلي للمعتمدية، خاصة في ظل الانعكاسات السلبية للتسلط على العلاقة مع الشركاء الدوليين.