*اعلنت عن وساطة بين السودان والامارات تركيا قطب العالم الجديد هل تنجح في امتحان البرهان وبن زايد*

بورسودان : عمار عوض

رسمت تركيا لنفسها دورا رياديا تريد منه أن تعلن عن كونها احد اقطاب (العالم الجديد) الذي يبدو واضحا انه سيعلن عن نفسه خلال فترة ترامب الرئاسية التي قال إن سياسته الخارجية فيها ستقوم على ما يعرف بالقطبية الاقليمية ، وان الولايات المتحدة ستعتمد على دول المنطقة التي بها نزاعات ، وهو ما أغضب الأوروبيين الذين يعرفون موقفه من حلف الناتو والان يريد ان يضعهم أمام روسيا .

نجح أردوغان في الاستفادة من يده العليا في سوريا عبر تبنيه للمعارضة السورية بكافة فصائلها ، ليضع حدا للوضع في دمشق بخروج الأسد عبر توافقات وضمانات منه استفاد فيها من علاقته القوية مع إمارة قطر وموسكو على السواء وهو ما كان حيث دخلت المعارضة وخرج الأسد في أكبر تحول دراماتيكي يملأ المشهد.

وقبل أن يستفيق الناس ظهرت تركيا مستفيدة من علاقاتها التاريخية مع إثيوبيا والتي تعززت أكثر من خلال حرب الجيش الإثيوبي مع التيغراي والدور الذي لعبته (البيرقدار) في حسم كفة القوة لصالح أبي أحمد ، واستفادت تركيا من علاقتها مع الصومال ، وعبر عمل تم التحضير له جيدا منذ نحو شهرين عندما وقعت تركيا اتفاقية دفاع مشترك مع الصومال والذي لم يكن مفهوما وقتها ولكن ظهر جليا اليوم بعد توقيع (الاتفاق التاريخي) الذي أعطى اثيوبيا حق الوصول الى البحر وهي القضية التي كادت مقدمات حرب في القرن الأفريقي.

ويبدو أن أنقرة فهمت ووعيت سياسة الولايات المتحدة أو لنقل ما سيكون عليه العالم في (العقد القادم) ، لذا تتحرك اليوم في اتجاه جديد وهو الوساطة بين السودان ودولة الإمارات ، وكانت الحكومة والجيش دائما ما يرددون أن الحرب سبب استمرارها بدعم الإمارات للدعم السريع ، فيما تنفي ابوظبي ذلك وتؤكد في سياقات مختلفة أن لديها مصالح في السودان .

وتريد تركيا أن تستفيد مجددا من علاقتها الطيبة مع الحكومة وجيش السودان ، وكانت أول من استقبل الفريق عبد الفتاح برهان رئيس المجلس السيادي ، من أجل الوصول الى تسوية بين السودان والامارات تقود لتطبيع العلاقات واستعادة التواصل ووقف التدافع على الأرض وعلى طاولة المنظمات الدولية ، ما يفتح الطريق الى توافقات تقود الى مدينة جدة للوصول الى اتفاق لوقف اطلاق نار وفق إعلان مبادئ شامل او على الاقل آليات لتنفيذ اتفاق جدة .

فيما يريد السودان حسب آخر ما هو معلن عقب الاتصال الذي جمع لأول مرة رئيس دولة الامارات محمد بن زايد والرئيس السوداني عبد الفتاح برهان بحسب بيان المجلس السيادي : ان دولة الامارات متمهة من السودانيين بادلة وشواهد اتثبت دعم المتمردين وعلى الامارات التوقف عن ذلك

ومؤخرا وضع رئيس السيادي الفريق البرهان حدود عملية وقف إطلاق النار والترتيبات الأمنية عبر 6 مراكز لتجميع القوات في الأقاليم التي تشهد حرب ، وعملية سياسية وانتخابات وفق ما قال في المؤتمر الاقتصادي مؤخرا ، وبغض النظر عن المآلات النهائية وتصورات الحكومة والجيش لكيفية إنهاء الحرب ، نجد أن مقومات ان يكون هناك لقاء مثمر بين السودان والامارات متوفرة، فيما تحتاج النتائج لارادة و)مسؤولية.

حيث أن البرهان وبن زايد سبق لهم وان تحدثا لبعضهما في يوليو الماضي بشكل مطول وفق المكالمة التي جرت بينهما، والتي تصادف معها وجودي في بورتسودان رفقة وفد صحافي امريكي، ويومها علقنا جميعا أن ذلك أولى خطوات إنهاء الازمة عبر التواصل المباشر والمكاشفة وما تبعها من قول، والعامل الأهم هو تضافر المصالح ليس من حجم الأعمال التجارية أو السكن والعمل للمواطنين السودانيين التي تصاعدت في ظل الحرب ، أو الموارد التي يحتاجها المستقبل.

ومن غير المعروف هل استمر تواصل المؤسسات السودانية والاماراتية بعد وساطة إثيوبيا التي ثمنت جهدها عند استضافتي في (الحدث) يومها ولكنني أكدت يومها أن الدور المصري مطلوب ، كما ليس من المعقول أن يلتقي البرهان وبن زايد فى قمة في أديس ابابا، حيث معلوم مدى حساسية ذلك بالنسبة للعرب عامة او القاهرة أن يعقد لقاء مثل هذا في إثيوبيا.

التواصل المباشر وتغيير المكان ودخول تركيا وسيط وهي التي ترتبط بعلاقة جيدة مع السعودية ومصر والمباركة الأمريكية الأخيرة لما حدث في سوريا عبر لقاء بلينكن اردوغان في انقرة امس، يعتبر مؤشرا على ان الفرصة مواتية فعلا لتطبيع العلاقة بين الإمارات والسودان.

لدى السودان احقية في كل ما يطلبه ليس من ناحية وقف الدعم للمتمردين على جيشه ، ولكن من ناحية مدى المسؤولية عن الدمار الذي وقع بسبب الحرب في الخرطوم والمدن المختلفة في دارفور وغيرهما ، ولكن من ناحية (إعادة الاعمار لما تدمر والتعويضات للسودانيين)، كما أن الإمارات في الظروف الطبيعية قبل الحرب تعد واحدة من الدول المانحة المتوقعة وبالتالي ليس هناك ما يجعل المرء يتخوف من أن التعويضات وإعادة الإعمار لن يكون للإمارات نصيب وفق المسؤولية الاخلاقية او الإخاء العربي – الإسلامي والتاريخ المشترك.

بالتالي ليس من المتوقع ايضا ان يرفض السودان وجود الامارات في الية الحل القادم ممثلة في امريكا والسعودية ومصر، والإمارات التي رفض بسببها السودان الذهاب الى جنيف شهر أغسطس الماضي، مطالبا ابعاد اي مشاركة إماراتية في الوساطة ما لم يحدث اعتراف ومسؤولية بوقف الدعم للمتمردين/ الدعم السريع.

وبعيدا عن القضايا التي تبدو سهلة (المسؤولية – التعويضات – اعادة الإعمار) مقارنة بالقضية الأساس والتي تعد الفيل الذي سيكون في غرفة لقاء برهان وبن زايد وأردوغان ، وهي مستقبل الدعم السريع وحلفاء الإمارات من السياسيين أو فلنقل شكل (المائدة المستديرة) وشروط الجلوس فيها أو سمة الحوار السوداني – السوداني وشروط المشاركة فيها إن كان من ناحية جماعات الإسلام السياسي او من تحالف تقدم ، الذي يتوقع أن يتوافق عليه بشهادة الرئيس التركي رجب اردوغان .

تظل القضية الأبرز ما هو أفق كل ذلك الحراك الذي يبدو محسوما أن مصر سيكون لها اليد العليا في مسالة الحوار السياسي السوداني ، التي تتهيأ لاعلان الجولة الثانية منه في القاهرة قريبا، كما صار واضحا أننا في طريقنا الى (جدة ثانية )، والتي ستكون طاولتها مختلفة تماما عن السابق إذا نجح أردوغان في تجسير دخول الإمارات طرفا في الوساطة الى جانب السعودية ومصر والولايات المتحدة وهذا سيقلل كثير من معاناة السودانيين بأن حربهم يمكن أن تقف فعلا وقريبا لتأثيرات هذه الدول وتداخلها مع الصراع.

وهنا نجد ان رؤيتان تتصدران المشهد ، الاولى ترى ان العودة الى جدة هي المدخل لبدء حوار حول القضايا العسكرية والسياسية في زمان ومكان واحد وتمثيل السياسيين في المحادثات الجيش والدعم السريع للوصول الى صيغة والية التفاوض والموضوعات ومعيار المشاركة ، وهو الامر الذي رفضته الحكومة عبر تصريحات رئيس السيادي التي قطع فيها بعدم جلوس العسكريين مع السياسين او اي تسوية سياسية ، وهو ما فصله عضو السيادي الفريق شمس الكباشي نائب قائد الجيش في اخر تصريح عند تحرير سنجة رافضا اي صيغة تدمج المسار السياسي مع العسكري وواضعا العربة امام الحصان بضرورة خروج الدعم السريع لمناطق التجميع اولا ، ليبدا بعدها الحوار في القضايا السياسية.

بالعموم هناك ثلاثة سيناريوهات لنسبة نجاح لقاء البرهان وأردوغان وبن زايد وما هو الأفضل ليس لوقف الحرب وحدها ولكن لتأسيس جديد لعلاقات تقود لتتكامل مع دول وجهود أخرى لقيام تكتلات اقتصادية سياسية استراتيجية اقليمية يكون ثمنها إعادة الأمل في الحياة مستقبلا لشعب السودان المحطم ، مع تشريح كامل التصورات لإنهاء الحرب عبر جدة الثانية (إن صحت ) سيكتب عنها غدا إن مد الله في الاجال .

مقالات ذات صلة