مع حلول ديسمبر من كل عام، يعود الجدل حول ثورة ديسمبر السودانية التي أطاحت بنظام عمر البشير بعد حكم استمر ثلاثة عقود. لقد كانت تلك الثورة حدثاً مفصلياً في تاريخ السودان، لكنها في الوقت نفسه تركت وراءها تساؤلات عميقة حول طبيعة ما حدث: هل كانت ثورة شعبية حقيقية، أم أنها كانت مجرد واجهة لمخطط إقليمي ودولي بمشاركة أطراف داخلية لخدمة أجندات معينة؟
*ثورة شعبية أم مخطط خارجي* ؟
كانت الشوارع السودانية تموج بالمظاهرات الشعبية التي بدأت في عطبرة وانتشرت إلى مختلف مدن السودان، مدفوعة بالأزمات الاقتصادية والضغوط السياسية والاجتماعية التي جعلت الحياة اليومية لا تُطاق. الهتافات كانت واضحة: إسقاط النظام، الحرية، والسلام، والعدالة. ولكن مع سقوط نظام البشير في أبريل 2019، بدأت الأسئلة تظهر: هل كان سقوط النظام نتيجة لإرادة الشعب وحده؟ أم أن هناك قوى خارجية وداخلية ساهمت في تسريع وتيرة الأحداث؟
*دور الإمارات والتحالفات الخارجية*
من المعلوم أن الإمارات لعبت دوراً محورياً في سقوط نظام البشير، سواء عبر تقديم الدعم لبعض الأطراف السياسية أو من خلال دعم قوات الدعم السريع بقيادة الهالك الخائن محمد حمدان دقلو (حميدتي). لا يخفى أن الإمارات والسعودية كانتا تسعيان إلى تقليص نفوذ الإسلاميين في المنطقة، ونظام البشير كان يُعتبر جزءاً من هذا النفوذ. الدعم المالي والسياسي الذي وفرته هذه الدول لقادة عسكريين ومليشيات داخل السودان يثير الشكوك حول نواياها ودورها في التغيير الذي حدث.
*خيانة الجيش والدعم السريع*
الجيش السوداني لم يتدخل بشكل واضح لحماية البشير خلال الأيام الأخيرة من حكمه، بل وقف موقف المتفرج في كثير من الأحيان. بعض التقارير تشير إلى وجود خلافات داخلية عميقة بين قيادة الجيش ونظام البشير، مما جعل القوات المسلحة تقبل بانهيار النظام كوسيلة للحفاظ على نفوذها في المشهد السياسي. من جهة أخرى، لعبت مليشيا الدعم السريع دوراً غامضاً، حيث انتقلت من كونها مليشيا داعمة للنظام إلى قوة ضاغطة ساهمت في إسقاطه. هذا التحول السريع يثير تساؤلاتنا نحن السودانيون حول الدوافع الحقيقية وراء هذه الخطوة.
*التآمر على الدولة أم السعي للتغيير* ؟
البعض منا يرى أن سقوط النظام لم يكن نتيجة خيانة أو مؤامرة، بل كان محاولة شعبية صادقة للخروج من دائرة الأزمات. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن التغيير الذي حدث جاء وسط تحركات إقليمية ودولية تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي في السودان بما يخدم مصالح أطراف خارجية.
*التساؤل الذي يظل قائماً*
اليوم، وبعد مرور سنوات على الثورة، ما زال السودانيون يعيشون في حالة من الضبابية السياسية والاقتصادية. إذا كانت الثورة قد أطاحت بنظام البشير، فإنها لم تحقق حتى الآن أهدافها الرئيسية المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة. السؤال الذي يبقى مطروحاً هو: هل كانت ثورة ديسمبر عملاً شعبياً خالصاً أم أنها كانت مسرحاً لأدوار خفية؟
*ختاماً*
بين الواقع والوهم، تظل ثورة ديسمبر حدثاً فارقاً في تاريخ السودان، لكنها تطرح تساؤلات تستحق التأمل. الإجابة قد لا تكون بسيطة، وربما تحمل الحقيقة مزيجاً من إرادة الشعب وتدخلات القوى الداخلية والخارجية. المهم الآن هو أن يتحد السودانيون لتجاوز هذه المرحلة وبناء مستقبل يليق بتضحياتهم وآمالهم.