*مِصرُ… يا أُختَ بلادي ومهوى أفئدة الأجيال*

في أمسية عنوانها الإخاء، ومعراجها الوفاء، ووشاحها المحبة العربية الخالصة، احتضنت مدينة بورسودان ليلة بهيّة من ليالي الوفاء السياسي والاجتماعي النادر، حيث أقام السيد محمد سيد أحمد الجكومي – رئيس كيان الشمال، والأمين العام للتنسيقية الوطنية، ومستشار الزعيم السيد محمد عثمان الميرغني احتفائية سامقة المعنى، وضيئة المعالم، زانتها المروءة، وزيّنها النُبل، وذلك وفاءً لمن أنفقوا من جهدهم وسنواتهم في خدمة السودان، واحتفاءً بمن تسلموا راية العمل الدبلوماسي على أرضه.

في هذا الحدث المترف بالقيم والمشحون بالرمزية، ودّع الجكومي المستشار تامر منير الذي كان سفيراً بفعله وضميره، قبل أن يكون بصفته – واستقبل المستشار محمد مجدي، الذي حلّ بيننا محمولاً على أجنحة المحبة والقبول، فكان الوداع والتسليم مشهدًا ناصعًا من مشاهد وحدة وادي النيل، التي تأبى أن تفتر تحت وطأة الجغرافيا أو تقلّب الاحوال و الامزجة العالمية الأزمان.

وشهدت المناسبة حضوراً ديبلوماسياً رفيعاً، يتقدّمه عميد السلك الدبلوماسي بالسودان، السفير محمد ماء العينين، وسفير الجماهيرية الليبية، وممثلون من البعثات الدبلوماسية، ووجوه من الطيف الحزبي، ورموز من المجتمع المدني، وصوت الإعلام الواعي.

وفي حضرة هذه الوجوه النيرة، لم يكن الحدث مجرد مناسبة رسمية، بل كان لوحة إنسانية تتنفس الصدق، وتجسّد العرفان. ففي هذه الحرب الطاحنة التي لا تبقي ولا تذر، لم يجد أهل السودان مأوى أكثر دفئًا من أرض الكنانة، التي فتحت صدور أهلها قبل ديارهم، واستقبلت النازحين بكرم أصيل غير متكلف، حيث المدارس مشرعة، والمشافي مفتوحة، والمجتمع المصري يُعطي بلا مِنّة، ويُؤوي بلا تردد.

هكذا كانت مصر، ولا تزال، حاضنة الأشقاء وقت المحن، وظلالًا وارفة في صحارى الخوف والحيرة. ولذا فإن الاحتفاء بمن خدم هذا الوطن، ومن جاء ليواصل المسيرة، ليس تكريمًا فحسب، بل هو استحقاق تاريخي تمليه الشهامة، ويفرضه الواجب القومي.

وقد صدح المحتفى به، المستشار تامر منير، بكلمات صادقة من القلب، قال فيها إنه لم يشعر يومًا بالغربة، لأن السودان ليس فقط وطنًا ثانيًا، بل هو الامتداد الطبيعي للروح المصرية، مؤكدًا أن النيل لا يُفرّق بين ضفتيه، بل يروي الأرضين برحمة واحدة.

وفي المقابل، استُقبل المستشار محمد مجدي بكامل الترحاب، رجلاً جاء لا إلى بلدٍ غريب، بل إلى سُرّة التاريخ المشترك، ومهبط المودة العتيقة، وعنوان الأمل المتجدد. وها نحن نقول له: مرحباً بك بين أهلك، في وطنٍ يكنّ لمصر وأبنائها محبة لا تَخفت، وتقديرًا لا يَبلى.

ونُحيي السيد الجكومي، رجل المواقف الواضحة، والسياسة الصافية من شوائب النفعية، الذي ظلّ، كعهده، يُجسّد عملياً معنى الوحدة الوجدانية بين شعبَي وادي النيل، بتكريمه للقادمين، ووفائه للمغادرين، وإيمانه الراسخ أن النسيج السوداني المصري لا يتمزق، لأنه من خيوط التاريخ والعقيدة والدم.

فلتحيا مصر والسودان، شعباً واحداً في جسدين، قلبهما النيل، ونبضهما الإخاء.

مرتضى عمر
أمانة الإعلام
– كيان الشمال

مقالات ذات صلة